رحله در اندیشه زکی نجیب محمود
رحلة في فكر زكي نجيب محمود
ژانرها
المدرسة السلوكية في علم النفس لون آخر من ألوان النظريات التي تنكر وجود النفس، فقد حصرت نفسها في أنماط السلوك التي يمكن أن يلاحظها المشاهد الخارجي، معتمدة في ذلك على التجارب التي أجراها عالم الفسيولوجيا الروسي «إيفان بافلوف
I. Pavlov » (1849-1936م)، على الفعل المنعكس الشرطي دون أية إشارة إلى ما يسمى «بالشعور». ويزعم السلوكيون أن العلوم الطبيعية قادرة على تفسير وقائع السلوك البشري، وأنه ليس ثمة ما يبرر افتراض وجود شيء آخر غير السلوك الذي نشهده، وما دامت «النفس» من حيث هي كذلك لا يمكن أن نشاهدها بالملاحظة الخارجية فقد أنكروا وجودها.
لقد افترضت المدرسة السلوكية أن السلوك البشري، بالغا ما بلغ تعقده، يمكن رده إلى صيغة «مثير-استجابة»، أو في صورتها الرمزية «م، س»، فهناك «مثير» معين «م» تعقبه باستمرار استجابة معينة «س»، بغض النظر عن الكائن الحي الذي يثيره هذا المثير.
غير أن هذه الصيغة، في نظر مفكرنا، ناقصة أشد النقصان:
فالناس تستجيب استجابات مختلفة لنفس المثير.
البيئة مليئة بالمثيرات ينتقي منها الكائن الحي ما يثيره.
وهكذا تصبح صيغة «م، س» غير كافية لتفسير وقائع السلوك البشري؛ لأنها تسقط دور الكائن الحي الذي لا بد أن يدخل جزءا من السبب؛ ومن ثم فلا بد من إدخال الرمز «ك»، أي الكائن الحي، في الصيغة لتصبح «م، ك، س» أي مثير، كائن حي، استجابة. لكنها لا تزال غير كافية؛ ولهذا يقترح مفكرنا تعديلها لتكون «ك، م، س»؛ أي إن الكائن الحي يختار من البيئة ما يثيره، ويقوم بالاستجابة له.
ومعنى ذلك أن إنكار المدرسة السلوكية لوجود «النفس»، بحجة أنها لا تخضع لمنهج الملاحظة الخارجية (وهو منهج العلوم الوضعية)، لا يدل إلا على أن المنهج المستخدم في الكشف عن هذه «النفس» منهج خاطئ، تماما كما هي الحال في فلسفة هيوم، لكن لا يزال في استطاعتنا أن نقول إن النفس متضمنة بالضرورة في المواقف المختلفة، التي ندرسها في سياق البحث العلمي، وهو يضرب لنا مثالا واضحا على ذلك:
عالم النفس السلوكي الذي يريد أن يحصر نفسه في أنماط السلوك لا يستطيع أن يفعل ذلك، ما لم يكن قادرا على عزل نمط السلوك الذي يريد دراسته من السياق المحكم للكائن الحي والبيئة، وعزل موضوع الدراسة هذا لا يكون ممكنا إلا إذا وجه انتباهه نحو الجانب المطلوب دراسته. وهو جانب لا يمكن أن ينفصل بالفعل عن الكائن الحي الذي يشمله، ويستطيع الباحث عن طريق تعديل انتباهه التركيز على شيء واحد في لحظة معينة ... وعزل هذا الجانب قد لا يكون ممكنا إلا في الفكر وحده ... أي إنك لا بد أن تجرد هذا الجانب بفضل انتباهك الانتقائي، ومن هنا كان الانتباه موجودا في كل خطوة من الخطوات التي يقوم بها الباحث في بحثه. وهذا يعني أننا نفترض مقدما وجود «ذهن» الباحث (أو نفسه أو عقله)، وإنكار وجوده يعني أننا نناقض أنفسنا ...
41
صفحه نامشخص