جَدَّك
محمد بن خلدون، وأراده على الحجابة، وأن يفوِّض إليه في أمره، فأبى واستعفى، فأعفاه، َوَوَامَرهُ فيمن يوليه حجابته، فأَشار عليه بصاحب الثغر: بجاية، محمد بن أبي الحسين بن سيد الناس، لاستحقاقة ذلك بكفايته واضطلاعه، ولقديم صحابة بين سلفهما بتونس، وبإشبيلية من قبل. وقال له: هو أقدر على ذلك بما هو عليه من الحاشية والذوين، فعمل السلطان على إشارته، واستدعى ابن سَيِّد الناس، وولاَّه حجابته. وكان السلطان أبو يحيى إذا خرج من تُونس يستعمل جدنا محمدًا عليها، وثوقًا بنَظَرِه واستنامة إليه، إلى أن هلك سنة سبع وثلاثين، ونزع ابنه، وهو والدي محمد أبو بكر، عن طريقة السيف والخدمة، إلى طريقة العلم والرباط، لما نشأ عليها في حجر أبي عبد الله الزُّبَيْدي الشهير بالفقيه، كان كبير تونس لعهده، في العلم والفُتيا، وانتِحال طرق الولاية التي ورثها عن أبيه حُسين وعمه حَسن، الوليين الشَّهيرين. وكان جدنا ﵀ قد لزمه من يوم نزوعه عن طريقه، وألزمه ابنَه، وهو والدي ﵀ فقرأَ وتفَقَّه، وكان مقدَّمًا في صناعة العربية، وله بصر بالشعر وفنونه. عهدي بأهل الأدب يتحاكمون إليْه فيه، ويعرضون حَوْكَهم عليه، وهلَك في الطاعون الجارف سنة تسع وأربعين وسبعمائة.
نشأته ومشيخته وحاله
أما نشأتي فإني وُلدت بتونس في غرة رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة، وربيت في حجر والدي ﵀ إلى أن أَيْفَعت وقرأْت القرآن العظيم على الأُستاذ المكتِّب أبي عبد الله محمد بن سعد بن بُرَّال الأنصاري، أصله من جالية الأندلس من أعمال بلنسية، أخذ عن مشيخة بلنسية وأعمالها، وكان إمامًا في القراءات، لا
1 / 36