رفاعة الطهطاوی: زعیم النهضة الفکریة فی عصر محمد علی
رفاعة الطهطاوي: زعيم النهضة الفكرية في عصر محمد علي
ژانرها
بدأ رفاعة بكتب النحو فلاحظ أن الكتب الأزهرية القديمة التي يستعملها التلاميذ كتب عقيمة لم تعد تصلح للعصر الحديث، فوضع كتابا جديدا أسماه «التحفة المكتبية في القواعد والأحكام والأصول النحوية بطريقة مرضية»، حاول فيه تبسيط القواعد النحوية وجعله في شكل جداول مختلفة ليسهل على الطلبة فهمها وحفظها.
ولاحظ رفاعة أيضا أنه لا يوجد بين أيدي التلاميذ كتب للمطالعة مع فائدتها التي لا تنكر في تزويد الأولاد بالمعارف العامة، فوضع كتابه الطريف «مباهج الألباب المصرية في مناهج الآداب العصرية» ليسد به هذا النقص، وحاول فيه لأول مرة أن يبث في نفوس النشء معنى الوطن والوطنية، فهو يتحدث فيه حديثا مفصلا عن «المنافع العامة» وينقل في حديثه الشواهد من الشرق والغرب، تسعفه في ذلك ثقافته الإسلامية الفرنسية، ويختم الكتاب بفصل عما يجب «للوطن الشريف على أبنائه من الأمور المستحسنة.»
ويعتبر رفاعة بحق أول داعية لتعليم المرأة في مصر بل في الشرق كله؛ فقد ذكر يعقوب أرتين باشا في كتابه عن التعليم العام في مصر أن لجنة تنظيم التعليم في سنة 1836م (أي في عهد محمد علي باشا) اقترحت العمل لتعليم البنات في مصر، وقد كان رفاعة عضوا من أعضاء تلك اللجنة. غير أن هذا الاقتراح لم ينفذ لأن المجتمع المصري لم يكن على استعداد وقتذاك لقبول هذه الفكرة، واكتفي بإنشاء مدرسة المولدات والقابلات.
وفي عهد إسماعيل تجددت الفكرة، وكان رفاعة من أكبر الداعين لها، ففي سنة 1873م أنشئت أول مدرسة لتعليم البنات في مصر، أنشأتها «جشم آفت هانم» إحدى زوجات الخديو إسماعيل. وقبل إنشاء المدرسة بسنة واحدة أخرج رفاعة كتابه «المرشد الأمين للبنات والبنين»، وفيه يدعو للفكرة ويمهد لظهورها فيقول: «ينبغي صرف الهمة في تعليم البنات والصبيان معا لحسن معاشرة الأزواج، فتتعلم البنات القراءة والكتابة والحساب ونحو ذلك، فإن هذا مما يزيدهن أدبا وعقلا، ويجعلهن بالمعارف أهلا، ويصلحهن به لمشاركة الرجال في الكلام والرأي، فيعظمن في قلوبهم، ويعظم مقامهن، لزوال ما فيهن من سخافة العقل والطيش مما ينتج من معاشرة المرأة الجاهلة لامرأة مثلها، وليمكن المرأة عند اقتضاء الحال أن تتعاطى من الأشغال والأعمال ما يتعاطاه الرجال على قدر قوتها وطاقتها، فكل ما يطيقه النساء من العمل يباشرنه بأنفسهن، وهذا من شأنه أن يشغل النساء عن البطالة، فإن فراغ أيديهن عن العمل يشغل ألسنتهن بالأباطيل، وقلوبهن بالأهواء وافتعال الأقاويل، فالعمل يصون المرأة عما لا يليق ويقربها من الفضيلة. وإذا كانت البطالة مذمومة في حق الرجال فهي مذمة عظيمة في حق النساء، فإن المرأة التي لا عمل لها، تقضي الزمن خائضة في حديث جيرانها، وفيما يأكلون ويشربون، ويلبسون ويفرشون، وفيما عندهم وعندها، وهكذا. أما القول بأنه لا ينبغي تعليم النساء الكتابة وأنها مكروهة في حقهن ارتكانا على بعض الآثار فينبغي ألا يكون ذلك على عمومه. ولا نظر إلى من قال إن من طبعهن المكر والدهاء والمداهنة فتعليم القراءة والكتابة ربما حملهن على الوسائل غير المرضية ... فمثل هذه الأقوال لا تفيد أن جميع النساء على هذه الصفات المذمومة. وكم من نهي وردت به الآثار كمقاربة السلاطين والتحذير من الغنى، وقد حمل كل ذلك على ما يعقبه شر وضرر محقق، وتعليم البنات لا يتحقق ضرره. وكيف ذلك وقد كان من أزواجه
صلى الله عليه وسلم
من يكتب ويقرأ كحفصة وعائشة ... إلخ.»
هذا ملخص الدعاية الجريئة التي دعاها رفاعة لتعليم البنت وذلك قبل قاسم أمين بنيف وثلاثين عاما.
ومن هذه الجهود السابقة نلمح كيف خطا رفاعة الخطوة الثانية، فبدأ إلى جانب الترجمة يؤلف ويصنف، بل إن جهوده في التأليف في عصر إسماعيل تفوق جهوده في الترجمة، ولم يقصر جهوده في هذا الميدان على الكتب المدرسية والتعليمية فحسب، بل وضع مشروعا لإخراج مؤلف كبير في تاريخ مصر من أقدم العصور إلى عهده، ولكنه لم يخرج منه إلا الجزء الأول وعنوانه: «أنوار توفيق الجليل في أخبار مصر وتوثيق بني إسماعيل»، وقد تناول فيه الكلام عن تاريخ مصر القديم وتاريخ العرب قبل الإسلام. ويقول تلميذه ومؤرخ حياته صالح مجدي بك إنه أتم الجزء الثاني، ولكننا لم نعثر عليه.
وفي هذا العهد أيضا أخرج رفاعة مؤلفا تاريخيا آخر عن سيرة الرسول عليه السلام، وعنوانه: «نهاية الإيجاز في سيرة ساكن الحجاز»، وكان قد نشره فصولا في مجلة روضة المدارس.
وفي غمرة هذا النشاط فكر علي مبارك باشا في إصدار مجلة علمية تكتب فيها الأبحاث باللغة العربية، ولم يلبث أن أخرج فكرته إلى حيز التنفيذ، وعهد برئاسة تحرير المجلة إلى رفاعة بك يعاونه ابنه علي بك فهمي رفاعة مدرس الإنشاء بمدرسة الإدارة والألسن وقتذاك.
صفحه نامشخص