ريتشارد فاينمان: حياته في العلم
ريتشارد فاينمان: حياته في العلم
ژانرها
ولكن الشيء العجيب حقا هو أننا لسنا بحاجة إلى أن نعزو أي نوع من التعمد إلى انتقال الضوء. فمبدأ فيرما هو مثال رائع على خاصية فيزيائية أكثر روعة، وهي خاصية أساسية للحقيقة المدهشة وغير المتوقعة مسبقا التي تقول إن الطبيعة يمكن فهمها من خلال الرياضيات. ولو أن هناك خاصية واحدة مثلت شعاع النور الذي اهتدى به ريتشارد فاينمان إلى منهجه في الفيزياء، وكانت جوهرية في جميع اكتشافاته تقريبا، فهي تلك الخاصية، التي كان يعتقد أنها في غاية الأهمية حتى إنه أشار إليها مرتين على الأقل في خطاب تسلمه جائزة نوبل. في المرة الأولى، إذ قال أولا:
دائما ما يبدو لي غريبا أن قوانين الفيزياء الأساسية، عند اكتشافها، يمكن أن تأخذ أشكالا عديدة مختلفة لا تبدو متطابقة على نحو واضح في البداية، ولكن مع القليل من العبث بالرياضيات يمكن إظهار العلاقة بينها ... كان هذا شيئا تعلمته بالتجربة. هناك دائما طريقة أخرى لتعبر عن نفس الشيء، وهي لا تشبه على الإطلاق الطريقة التي عبرت عنه من قبل ... أعتقد أن هذا يمثل بطريقة ما تجسيدا لبساطة الطبيعة. لست أدري ما يعنيه اختيار الطبيعة لتلك الأشكال الغريبة، ولكن ربما كانت تلك وسيلة لتعريف البساطة. ربما كان الشيء بسيطا إذا استطعت أن تصفه على نحو كامل بطرق عديدة مختلفة، دون أن تعرف في التو أنك تصف الشيء نفسه.
ولاحقا (وهو ما يحمل أهمية لما سيأتي مستقبلا) أضاف فاينمان قائلا:
قد تكون النظريات الموضوعة عما هو معروف لنا - التي يمكن وصفها بالاستعانة بأفكار فيزيائية مختلفة - متساوية في جميع تنبؤاتها، ومن ثم لا يمكن تمييز بعضها عن بعض. غير أنها ليست متطابقة من الناحية النفسية عند محاولة الانتقال من هذا الأساس نحو المجهول؛ لأن الصور المختلفة تقترح أنواعا مختلفة من التعديلات الممكنة، ومن ثم لا تكون متساوية في الفرضيات التي يتوصل إليها المرء من خلالها أثناء محاولته فهم ما لم يفهم بعد.
مبدأ الزمن الأقل لفيرما يجسد بوضوح مثالا صارخا على تلك الوفرة الغريبة لقوانين الفيزياء التي أبهرت فاينمان أيما إبهار، وكذلك على «الفوائد النفسية» المتباينة للتفاسير المختلفة. إن التفكير في انحناء الضوء من منظور القوى الكهربائية والمغناطيسية عند السطح البيني الفاصل بين وسطين يكشف شيئا ما عن خصائص الوسط. والتفكير في الأمر نفسه من منظور سرعة الضوء ذاتها يبوح بشيء عن الخاصية الجوهرية للضوء الشبيهة بالموجة. والتفكير فيه من منظور مبدأ فيرما قد لا يكشف شيئا عن قوى محددة أو عن الطبيعة الموجية للضوء، ولكنه يسلط الضوء على شيء عميق حول طبيعة الحركة . ومن حسن الطالع أن جميع هذه الأوصاف البديلة تؤدي إلى تنبؤات متطابقة.
هكذا يمكننا أن نطمئن؛ فالضوء «لا يعرف» أنه يتخذ أقصر مسار ممكن. إنه يفعل هذا فحسب. •••
مع ذلك، لم يكن مبدأ الزمن الأقل، وإنما فكرة أخرى أكثر دقة وروعة هي التي غيرت مجرى حياة فاينمان في ذلك اليوم الحاسم في المدرسة الثانوية. وكما قال فاينمان لاحقا: «عندما كنت في المدرسة الثانوية، استدعاني مدرس الفيزياء - وكان اسمه السيد بادر - ذات يوم بعد حصة الفيزياء وقال لي: «يبدو عليك الملل، وأريد أن أخبرك بشيء مثير للاهتمام.» ثم أخبرني بشيء وجدته مبهرا إلى أقصى حد، وقد ظل - منذ ذلك الحين - مبهرا لي ... إنه مبدأ الفعل الأقل.» قد يبدو مبدأ «الفعل الأقل» تعبيرا أكثر ملاءمة لوصف سلوك موظف خدمة عملاء في شركة هاتف من ملاءمته لعلم الفيزياء، وهو علم يقوم - على كل حال - على وصف الأفعال. غير أن مبدأ الفعل الأقل مشابه تماما لمبدأ الزمن الأقل الذي وضعه فيرما.
يخبرنا مبدأ الزمن الأقل أن الضوء دائما ما يسلك مسار أقصر زمن. ولكن ماذا عن كرات البيسبول، وقذائف المدافع، والكواكب، وما إلى ذلك؟ إنها لا تتصرف بمثل هذه البساطة بالضرورة. هل ثمة شيء بخلاف الزمن يقلل إلى أقصى حد ممكن حين تتبع هذه الأجسام المسارات التي تمليها القوى المؤثرة عليها؟
تأمل أي جسم يتحرك، مثل جسم ثقيل يسقط. هذا الجسم يقال إن له نوعين مختلفين من الطاقة؛ أحدهما هو «طاقة الحركة»، وهي طاقة ترتبط بحركة الأجسام (والكلمة في اللغة الإنجليزية
kinetic
صفحه نامشخص