============================================================
لأمر الدنيا يوقظان عقله، وينبهانه بعد ما نام وذهب عقله، فهما أولى أن يوقظاه لأمر الآخرة وهو يقظان لم ينم ولم يذهب عقله بنوم.
وشتان بين المطلوبين هذا يطلب قليلا فانيا مكدرا بالغموم والأمراض والأسقام، ومن بعده يختم له بالموت، ومن بعد الموت ينظر فيه بعد ما ذهبت لذته ومنفعته، وبقي السؤال بين يدي الله تعالى عنه، حتى يسأل عنه : ماذا صنع فيه؟ تم العفو أو العذاب عليه، ومع هذه الأسباب المكدرة في الدنيا والآخرة لن ينال من ذلك إلا ما قدر له ، وهذا ويهتم لطلب باق كثير لا يفنى، مع نعيم مقيم وعيش سليم، قد أزيلت عنه الأمراض والأسقام، ورفعت عنه الهموم والغموم والأحزان، ولا يختم بموت أبدا ولا حساب ولاتبعة فيه عليه، والمولى راض عنه، وهو مسرور با يتقلب فيه من نعيم الآخرة، باق فيه أبدأ، ولا يشاء شيئأ إلا بلغت فيه مشيئته في حياة ليس فيها موت. ونعيم لا يخاف فيه أبدا له بالفوت، مجاور للملك القدوس الأعلى في داره، لا يخاف سخطه بعد رضاه، ثم ما رضي له بذلك حتى أكمل ذلك له بغاية الكرامة، وقربه إليه في الزيارة، وأنجز له ما وعده من الرؤية والنظر إلى وجهه الكريم عز وجل، إذ يقول، جل من قائل : {إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر(1).
فأعظم به من مجلس ، وأكرم به من زائر ومزور، وناظر ومنظور إليه ، ومقبل ومقبل عليه، متردد فيما بين نعيمه ولذاته، والنظر إلى وجهه جل وعز، فشتان ما بين اهمتين، وشتان بين الغايتين.
فإذا كان هذا النائم يوقظه اهتمامه هذا الفاني المنغص المكدر بعد ذهاب عقله فالهم للباقي اهنيء السليم، والحذر من فوته مع الحلول في العذاب الأليم أولى أن يتيقظ له العقل، ولم يذهب بنوم فإذا اهتم وحذر تيقظ وإذا تيقظ ذكر، فإذا ذكر ثبت، فإذا تثبت تفقد، فإذا تفقد نظر، وإذا نظر بالنور وهو العلم أبصر ، وإذا أبصر تبين.
(1) سورة القمر، الآية: 54، 55.
صفحه ۸۲