============================================================
وذلك آنه لما عرض الداعي بما تحب نفسه ولا معرفة ولا ذكر معه قبل الداعي إلى الرياء فاعتقد الرياء، ولما عرض له فمرقه ثم غلبته شهوته فقبله، ولم ينفه بالكراهة له ، فإذا عرض الداعي إلى الرياء فعرف انه الرياء ثم كرهه نجا منه .
و في ذلك آثار فيها دليل وحجة أن الكراهة والإباء لقبول ما يعوض من الرياء ينتفي بهما الرياء، ولا يقدر المريد على أكثر من ذلك ولم يكلفه الله سواه.
و من ذلك : ما يروى عن النبي ه حين شكا إليه أصحابه رضي الله عنهم فقالوا: "يا رسول الله يعرض بقلوبنا شيء ، لأن نخر من السماء فتخطفنا الطير أو هوي بنا الرياح في مكان سحيق، احب إلينا من أن نتكلم به ، فقال : أو قدا وجذتموه؟ ذلك صريح الإيمان" (1) .
لا يعني الوسواس، لكن يعني إباءهم وكراهيتهم لقبوله، حتى اختاروا أن يخروا وينقطعوا ولا يتكلموا به لكراهتهم له (2) .
فإذا كان الاباء والكراهية ينجيان من الوسواس في الله عز وجل فهما من الوسواس في الرياء أنجا وأنجا، لأن ما كان دافعا للكثير العظيم فهو للقليل الصغير ادفع وأنجا، وإن كان الرياء عظيما فإنه عند الوسواس في الله عز وجل صغير .
وقال أبو حازم: ما كان في نفسك وكرهته نفسك لنفسك فلا يضرك، هو من عدوك، وما كان من نفسك فرضيته نفسك لنفسك فعاتبها عليه.
وقال زيد بن أسلم مثل ذلك، وصدقا، لأن ما كرهته وأبيته فقد رددته وبقي (1) أخرجه: مسلم في صحيحه، حديث 209 من كتاب الابيمان. وأبو داود، الباب 109 من كتاب الأدب، والامام احمد بن حنبل في مسنده 396/2، 441. والنسائي في عمل اليوم والليلة . وابن حبان في صحيحه انظر: إحياء علوم الدين 305/3.
(2) فالكرامة هي تمام المعرفة لدقائق الرياء ، وتمييز لها عن كل ما يلتبس بالحق من دعاء النفس والعدو ، لا ودعوة النفس مع الكراهة لا ضرر منها ، لأن هذه الدعوة داخلة في إطار أطماع النفس الجبلية وهي لا تضر مع المعرفة، كما لا يضر الزاهد مرورة نفسه له بالحرص مع كراهيته .
صفحه ۱۸۷