Responsibilities of the Mosque Imam
مسؤولية إمام المسجد
ناشر
وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
شماره نسخه
الأولى
سال انتشار
١٤١٩هـ
محل انتشار
المملكة العربية السعودية
ژانرها
[المقدمة]
مسؤولية إمام المسجد
صفحه نامشخص
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة بين يدي البحث الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على النبي الأمين، سيد الأولين والآخرين، وعلى آله وصحبه الطيبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد: فقد سرت في هذا البحث الموجز على النحو التالي: عرفت بالإمامة، ثم بينت فضلها، ومنزلة الإمام وصفاته، ثم أشرت إلى بعض الأحكام المتعلقة بمن لم يتصف بالصفات المعتبرة على سبيل الاختصار. وبعد ذلك تحدثت عن مسئولية إمام المسجد مبينا أن هناك قدرا مشتركا من المسئولية يتحمله كل من يقوم بالإمامة، وقدرا خاصا يناط ببعض الأئمة الذين يتحملون ما لا يتحمله غيرهم، ويجب عليهم بحسب قدراتهم، وعلمهم، وفضلهم، ما لا يجب على من ليس مثلهم، ثم عقدت فصلا خاصا بمسئولية الخطيب تجاه خطبة الجمعة، بينت فيه أن على الخطيب أن يلتزم هدي النبي ﷺ في الخطبة، ويلتزم الحكمة والموعظة الحسنة مبتعدا عن القول الخشن، وأن يراعي أحوال المخاطبين، واختلاف مداركهم وبيئاتهم، وأن يعتمد على مصادر المعرفة الإسلامية الموثقة، ويلتزم اللغة الفصحى، ويعد الخطبة إعدادا جيدا، ويقدم الأولى
1 / 3
والأهم من الموضوعات التي تكون حاجة الناس إليها أكثر من غيرها، ثم بينت أنه لا بد أن يراعي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المصلحة الراجحة ويوازن بين المصلحة والمفسدة، لأن من شأن الخطيب الناجح الذي يكسب ثقة الناس ومحبتهم له، وتأثرهم به أن يراعي جميع ما أشرت إليه.
وبعد، فهذا جهد المقل، وما حصل فيه من خطأ وتقصير فمني، وأستغفر الله الغفور الرحيم، وأعتذر من الصفوة الأخيار من مسئولين ومشاركين في هذا الملتقى الطيب، راجيا منهم أن يغضوا الطرف ويقبلوا العذر، ويتفضلوا على أخيهم بملحوظاتهم التي سأفيد منها فيما بعد، وأسأل الله لي ولهم ولجميع العاملين في مجال الدعوة مزيدا من التوفيق والسداد، وتثبيتا على طريق الهدى والرشاد، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
كتبه العبد الفقير إلى عفو ربه
علي بن حسن بن ناصر
عضو هيئة التدريس بكلية الشريعة وأصول الدين
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية / أبها
1 / 4
[معنى الإمامة لغة واصطلاحا]
معنى الإمامة لغة واصطلاحا الإمامة في اللغة: هي مصدر الفعل " أم " والإمام هو ما يؤتم به، ومنه قيل للطريق إمام، وللبناء إمام لأنه يؤتم بذلك، أي يهتدي به السالك، والنبي ﷺ إمام الأئمة، والخليفة إمام الرعية، والقرآن إمام المسلمين، وإمام كل شيء قيمه والمصلح له.
واصطلاحا هي من يصح الاقتداء به في الصلاة. أو هي ربط صلاة المؤتم بالإمام. وتطلق على الإمامة الكبرى، وهي الخلافة أو الملك أو رئاسة الدولة.
وتطلق على العالم المقتدي به، فيقال إمام المحدثين، وإمام الفقهاء.
والإمام لما كان هو القدوة للناس لكونهم يأتمون به، ويهتدون بهديه أطلق عليه هذا اللفظ (١) .
[فضل الإمامة ومنزلة الإمام]
فضل الإمامة ومنزلة الإمام الإمامة تعليم، وتذكير، وأمر بمعروف ونهي عن منكر، ولا يخفى ما لهذه الأمور من منزلة عظيمة، فبالعلم يزول الجهل، وبالتذكير
_________
(١) انظر تفسير الطبري ١٩ / ٣٤، وفتح القدير ١ / ١٣٧ والمفردات في غريب القرآن للأصفهاني ص ٢٤ والصحاح للجوهري ٥ / ١٨٦٥، وغاية المرام في شرح شروط المأموم والإمام ص ٣٩، وأحكام الإمامة والائتمام في الصلاة ٦٢.
1 / 5
تذهب الغفلة، ويحل الإقبال على الدين محل الإعراض عنه، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تسود طاعة الله في المجتمع وتضمحل المعصية، وتنتشر الفضيلة وتنحسر الرذيلة، ويكثر الخير ويقل الشر.
من أجل هذا وغيره تعد الإمامة رسالة عظيمة، ومهمة جسيمة يوفق الله للقيام بها على الوجه المطلوب دعاة الحق، وصفوة الخلق حماة الدين، وحراس العقيدة الصحيحة، فيتعلم على أيديهم الجاهل، ويستيقظ من أجل مواعظهم الغافل، ويهتدي بهم السالك، وتسمو بتوجيهاتهم النفوس، وتزكو الضمائر، وتتهذب الأخلاق، ويقوم سوق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فتحيا السنن، وتندرس البدع ويسعد الناس بالأئمة الأكفاء كما سعدت الدنيا بإمام الأئمة ﷺ، على حد قول القائل:
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا ... كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا
وإن نحن أضللن الطريق ولم نجد ... دليلا كفانا نور وجهك هاديا
ولما كان أمر الإمامة عظيما، دعا النبي ﷺ للأمة بالرشد فقال: «الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة، واغفر للمؤمنين» (١) .
_________
(١) رواه الإمام أحمد من حديث أبي هريرة ﵁ في المسند ٢ / ٢٣٢، ٣٣٢، ٣٣٧. قال في الفتح الرباني ٣ / ٨ صححه ابن حبان.
1 / 6
ومن المعلوم أن الإمامة رمز الاجتماع والائتلاف، لذا فقد حث النبي ﷺ على اتخاذ إمام ولو كانوا ثلاثة نفر فقط، حيث قال ﵊: «إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم، وأحقهم بالإمامة أقرؤهم» (١) .
فإذا كانوا مأمورين شرعا باتخاذ إمام ولو كانوا ثلاثة فقط، فكيف إذا كانوا جمعا كبيرا، لا شك أن الأمر أعظم، وهذا فيه من المصالح العظيمة، والمحامد الجليلة ما لا يخفى على أحد، فالناس يجتمعون على من يعلمهم الخير، ويفقههم في الدين، ويرغبهم تارة ويرهبهم أخرى، وينقلهم من المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى التذكر والعبرة.
والناس محتاجون إلى من يقوم بهذه الرسالة خير قيام؛ لأن أمراض المجتمع الحقيقية تكمن في: الجهل والغفلة، والميل إلى الشهوات، يقول تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: ٤١] (٢) .
_________
(١) رواه مسلم في كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة ١ / ٤٦٤.
(٢) سورة الروم آية ٤١.
1 / 7
ولا يخفى أن هذه العلل إذا كثرت كثر الخبث، ونزل البلاء إذ هو نتيجة لمقدمة، والله يقول: ﴿فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا﴾ [العنكبوت: ٤٠] (١) .
لهذا، فإن منزلة الإمام تعظم لكونه يتولى معالجة هذه العلل، فداء الجهل لا دواء له إلا بالعلم، وحاجة الناس إلى العلم الذي يرفع عنهم حجاب الجهل ويزيل غشاوته أشد من حاجتهم إلى الطعام والشراب، وأعظم من حاجة الأرض المجدبة إلى الغيث العميم.
يقول الإمام أحمد ﵀: الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين، وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه.
ويقول الإمام ابن القيم ﵀ عن العلم وفضله: به يعرف الله ويعبد، ويذكر ويوحد، ويحمد ويمجد، وبه اهتدى إليه السالكون، ومن طريقه وصل إليه الواصلون، ومن بابه دخل عليه القاصدون، به تعرف الشرائع والأحكام، ويتميز الحلال من الحرام، وبه توصل الأرحام، وبه تعرف مراضى + الحبيب، وبمعرفتها ومتابعتها يوصل إليه
_________
(١) سورة العنكبوت آية ٤٠.
1 / 8
من قريب، وهو إمام والعمل مأموم. . إلى قوله: مذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وطلبه قربة، وبذله صدقة، ومدارسته تعدل بالصيام والقيام، والحاجة إليه أعظم منها إلى الشراب والطعام (١) .
والنبي ﷺ يقول: «إن الله، وملائكته، وأهل السماوات، وأهل الأرض حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في البحر ليصلون على معلم الناس الخير» (٢) .
فلو لم يكن من فضل الإمامة، ومنزلة الإمام إلا هذا لكفى.
والأئمة مبلغون لدين الله، داعون إلى كل خير وفضيلة، والدعاة إلى الله هم خير الناس، فهم الآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر، القائمون على حدود الله، الذابون عن دين الله، الصالحون المصلحون الذين أثنى الله عليهم وامتدحهم في مواضع عديدة. قال تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: ٣٣] (٣) .
وقال تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ [يوسف: ١٠٨] الآية يقول ابن القيم ﵀: أمر الله نبيه بأن يخبر
_________
(١) انظر تهذيب مدارج السالكين ٤٨٤ - ٤٨٥، وما ذكره عن الإمام أحمد ص ٤٨٥.
(٢) سورة فصلت ٣٣.
(٣) سورة يوسف آية ١٠٨.
1 / 9
أن سبيله الدعوة إلى الله فمن دعا إلى الله تعالى فهو على سبيل رسول الله ﷺ، وهو على بصيرة وهو من اتباعه، ومن دعا إلى غير ذلك فليس على سبيله، ولا هو على بصيرة وهو من اتباعه، ومن دعاء إلى غير ذلك فليس على سبيل، ولا هو على بصيرة، ولا هو من أتباعه، فالدعوة إلى الله تعالى هي وظيفة المرسلين واتباعهم. . وتبليغ سننه (إلى الأمة أفضل من تبليغ) السهام إلى نحور العدو؛ لأن تبليغ السهام يفعله كثير من الناس، وأما تبليغ السنن فلا يقوم به إلا ورثة الأنبياء، وخلفاؤهم في أممهم جعلنا الله تعالى منهم بمنه وكرمه (١) .
والمجتمعات تتعرض غالبا لعواصف من الفتن والمغريات تجر بعض الناس جرا إلى الفساد والإفساد، وتصرفهم عن طاعة رب العباد، وهنا يأتي دور الإمام المذكر المحذر المشفق على إخوانه فتحيا به القلوب، ويفتح الله على يديه مغاليقها، فيكون له بذلك من الأجر العظيم، والثواب الجزيل ما بينه النبي ﷺ بقوله: «من دعاء إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا،
_________
(١) التفسير القيم ٤٣١.
1 / 10
ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا» (١) .
قال العلماء إن المتسبب إلى الهدى بدعوته له من الأجر مثل أجر من اهتدى به، وكذلك المتسبب إلى الضلالة عليه من الوزر مثل وزر من ضل به، لأن الأول بذل وسعه وقدرته في هداية الناس، والثاني بذل قدرته في ضلالتهم منزل كل واحد منهما منزلة الفاعل التام (٢) .
وجاء في وصية النبي ﷺ لعلي ﵁: «لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم» (٣) . وحمر النعم هي الإبل الحمر وهي أنفس أموال العرب. يضرب بها المثل في نفاسة الشيء.
إنه فضل عظيم، وحظ كبير أن يهتدي رجل واحد فقط فما الظن بمن يهتدي كل يوم به طوائف من الناس، لا شك أن الأمر أعظم - نسأل الله العظيم بفضله وكرمه أن يجعلنا من الهداة المهتدين.
_________
(١) رواه مسلم في كتاب العلم، باب من سنن سنة. . . الخ ٤ / ٢٠٥٩ ح (٢٦٧٤) .
(٢) انظر غذاء الألباب ١ / ٤٧.
(٣) رواه مسلم في فضائل الصحابة، باب من فضائل علي ﵁ ٤ / ١٨٧٢ ح (٢٤٠٦) .
1 / 11
[صفات القائم بالإمامة]
[اختيار الإمامة مبني على الأفضلية]
صفات القائم بالإمامة مما سبق يتبين لنا أن الإمام معلم وواعظ ومصلح، يربي عقولا، ويبنى نفوسا ويغرس قيما وأخلاقا حميدة، ولذا فإن عمله ليس محصورا بإمامة الناس في الصلاة فقط، وإن كان هذا من أهم الأعمال وأعظمها، وهذه الشمولية في العمل هي التي تضفي على الإمامة طابعا مميزا، وتعطي صاحب هذه المهمة قدرا عظيما، ومركزا مرموقا، ومنزلة عالية، ولكن هل نطالب جميع الأئمة بهذا القدر العظيم من الصفات؟ وهل يستطيع كل إمام يؤمن الناس أو نرشحه لهذا العمل أن يكون بهذا المستوى؟ لا شك أن كل غيور على دين الله، ومشفق على إخوانه، يتمنى أن يكون كل إمام على هذا المستوى الرفيع من العلم، والفقه في الدين، والقدرات المتعددة، والمواهب المتنوعة التي تمكن الإمام من القيام بهذا العمل على أحسن وجه، وتتيح له فرص التأثير في الناس، وكسب قلوبهم فيعم الخير، ويضمحل الجهل والفساد.
غير أنه ليس من الممكن أن يتحقق هذا، ولو حرصنا عليه، ولا أعتقد أن كل إمام يستطيع القيام بالإمامة على النحو الذي أسلفنا، ومن المقرر أن اختيار الإمامة مبني على الأفضلية، حيث قال عليه
1 / 12
الصلاة والسلام: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سنا» (١) .
وهذا التوجيه النبوي الكريم فيه يسر ظاهر؛ لأنه يختلف تماما عن قول القائل يجب أن يكون الإمام حافظا، قارئا، عالما. . . الخ، لأن أقرأ القوم قد لا يكون كذلك، وهذا هو الغالب، وعندما ساق أبو يعلى الفراء الصفات المعتبرة في تقليد الإمام وهي أن يكون رجلا عدلا، قارئا، فقيها، سليم اللفظ من نقص أو لثغ بين ﵀: أن أقل ما على هذا الإمام من القراءة والفقه أن يكون حافظا لأم القرآن، عالما بأحكام الصلاة؛ لأنه القدر المستحق فيه، ثم قال ولأن يكون حافظا لجميع القرآن، عالما بجميع الأحكام أولى (٢) .
[صفات وشروط تعتير الحد الأدنى لمن يقوم بالإمامة]
مما سبق يتبين أن هناك قسما من الصفات يعد حدا أدنى لمن يقوم بالإمامة، وقسما آخر هو الأولى لأن يتصف به القائم بهذا العمل الجليل، وكلما ازداد منه عظم قدره، وارتفع شأنه، وقام بهذا العمل
_________
(١) رواه مسلم في كتاب المساجد، باب من أحق بالإمامة ١ / ٤٦٥ ح (٢٩١) من حديث أبي مسعود الأنصاري، وأبو داود في كتاب الصلاة باب من أحق بالإمامة ١ / ١٣٧.
(٢) انظر الأحكام السلطانية ص ٩٧، وكذلك الأحكام السلطانية للماوردي ص ١٧٩.
1 / 13
العظيم على الوجه الذي يحقق له بفضل الله وكرمه، الفوز برضا الله، والنجاة من عذابه.
وكما قال القائل:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير الصغائر ... وتصغر في عين العظيم العظائم
فأما القسم الأول فهو كما سبق ذكره أن يكون: رجلا، عدلا، حافظا لأم القرآن، عالما بأحكام الصلاة، سليم اللفظ من نقص أو لثغ.
فالذكورية شرط لصحة الإمامة. قال في المغني: وأما المرأة فلا يصح أن يأتم بها الرجل بحال، في فرض ولا نافلة في قول عامة الفقهاء، ثم استدل بقوله ﷺ: «لا تؤمن امرأة رجلا، ولا فاجر مؤمنا إلا أن يقهره بسلطان، أو يخاف سوطه أو سيفه» (١) .
وذكر أيضا أن الخنثى لا يجوز أن يؤم رجلا، لأنه يحتمل أن يكون امرأة، ولا خنثى مثله، لأنه لا يجوز أن يكون الإمام امرأة والمأموم رجلا (٢) .
أما إمامة المرأة للنساء مثله فلا بأس بذلك.
_________
(١) رواه الإمام ماجه في كتاب إقامة الصلاة، باب في فرض الجمعة ١ / ٣٤٣.
(٢) المعنى لابن قدامة ٣ / ٣٣، ٣٤.
1 / 14
والعدالة تعني أن يكون مؤمنا تقيا، ذا عقيدة سليمة، وسلوك مستقيم، وسوف يأتي الحديث عن إمامة الفاسق في عقيدته، أو في سلوكه.
وأما القارئ الفقيه، فأقل ما فيه - كما مر - حفظ أم القرآن، والعلم بأحكام الصلاة، وأما السليم في لفظه من النقص واللثغ فهو بين واضح: يقول الإمام ابن تيمية ﵀: وأما من لا يقيم قراءة الفاتحة فلا يصلي خلفه إلا من هو مثله، فلا يصلى خلف الألثغ الذي يبدل حرفا بحرف إلا حرف الضاد إذا أخرجه من طرف الفم كما هو عادة كثير من الناس، فهذا فيه وجهان، منهم من قال لا يصلى خلفه، ولا تصح صلاته في نفسه. . والوجه الثاني: تصح، وهذا أقرب؛ لأن الحرفين في السمع شيء واحد، وحس أحدهما من جنس الآخر لتشابه المخرجين، والقارئ إنما يقصد الضلالة المخالفة للهدى، وهو الذي يفهمه المستمع، فأما المعنى المأخوذ من ظل فلا يخطر ببال أحد، وهذا بخلاف الحرفين المختلفين صوتا ومخرجا وسمعا، كإبدال الراء بالغين، فإن هذا لا يحصل به مقصود القراءة (١) .
وجاء في المغني ما نصه: من ترك حرفا من حروف الفاتحة لعجزه عنه، أو أبداله بغيره كالألثغ الذي يجعل الراء غينا، والأرت الذي
_________
(١) انظر مجموع الفتاوي ٢٣ / ٣٥٠.
1 / 15
يدغم حرفا في حرف، أو يلحن لحنا يحيل المعنى كالذي يكسر الكاف من إياك، أو يضم التاء من أنعمت، ولا يقدر على إصلاحه فهو كالأمي، لا يصح أن يأتم به قارئ، ويجوز لكل واحد منهم أن يؤم مثله؛ لأنهما أميان فجاز لأحدهما الائتمام بالآخر كاللذين لا يحسنان شيئا، وإن كان يقدر على إصلاح شيء من ذلك فلم يفعل لم تصح صلاته، ولا صلاة من يأتم به (١) .
ومن المقرر أن إمامة المجنون لا تصح؛ لأن صلاته لنفسه باطلة، وقد ذكر ابن قدامة أنه إن كان يجن تارة، ويفيق أخرى فصلى وراءه حال إفاقته صحت صلاته، ويكره الائتمام به لئلا يكون قد احتلم حال جنونه، ولم يعلم ولئلا يعرض الصلاة للإبطال في أثنائها لوجود الجنون فيها، والصلاة صحيحة لأن الأصل السلامة فلا تفسد بالاحتمال.
وكذلك لا تصح إمامة الكافر المعلن لكفره كاليهودي والنصراني ونحوهما لنقصه بالكفر. قال في المغني: وإن صلى خلف مشرك أو امرأة أو خنثى مشكل أعاد الصلاة (٢) .
_________
(١) المغني ٣ / ٣١ بتحقيق د. عبد الله التركي، ود. عبد الفتاح الحلو.
(٢) المغني ٣ / ٣٢.
1 / 16
ولا تصح إمامة الصبي الذي لا يميز لأن صلاته لنفسه غير صحيحة لعدم صحة نيته، أما الصبي المميز فإن إمامته صحيحة لحديث عمرو بن سلمة ﵁ أن النبي ﷺ قال لأبيه: «وليؤمكم أكثركم قرآنا فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني لما كنت أتلقى من الركبان فقدموني بين أيديهم، وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين» (١) .
والحد بسن معين غير منضبط، فيعتبر تمييز كل صبي بنفسه؛ لأن من الصبيان من يميز في السبع، ومنهم من يميز بأقل منها ومنهم من لا يميز إلا بأكثر، والله أعلم.
[صفات هي أولى ما يكون عليه الإمام]
أما القسم الثاني من الصفات، وهو أولى ما يكون عليه الإمام فيمكن إجماله فيما يلي: أولا: عن صفات علمية، وتتلخص في حفظ القرآن الكريم كله أوجله، وحفظ قدر طيب من السنة، والإلمام بعلوم القرآن، والسنة، والتفسير، والسيرة وفقه الإيمان، وفقه الأحكام، والإطلاع على التاريخ ومعرفة اللغة العربية وعلومها. ومعرفة ما يدور في واقع الأمة، وأبرز قضاياها، وكشف شبهات الباطل ودحض مفترياته، ومعرفة خطط الأعداء، والتحديات المعاصرة الفكرية، والسياسية
_________
(١) رواه البخاري في المغازي، باب مقام النبي ﷺ بمكة زمن الفتح ٥ / ٩٥. انظر في شروط صحة الإمامة: غاية المرام في شرح شروط المأموم والإمام ص ٤٠ فما بعدها لشمس الدين محمد بن أحمد الرملي الشافعي.
1 / 17
والسلوكية التي تواجه شباب المسلمين، ذلك أن من شأن خطيب الجمعة توجيه الناس، وتبصيرهم بأمور دينهم ودنياهم، وغرس الالتزام بالإسلام في حياة الناس، عقيدة، وعبادة، وخلقا وسلوكا، وهذا يحتاج إلى ما أشرنا إليه من الصفات، وإلا ضعف أداؤه لهذا العمل.
ثانيا: صفات عملية. وتتلخص في إخلاصه لله ﷿، وبعده عن الشهرة، والجاه، وحب الظهور، ولا بد من متابعته للنبي ﷺ في أقواله وأعماله، وقوة صلته بالله تعالى، وشدة تألهه، وإصلاح سريرته، وصدقه، وغيرته، وورعه وكرمه وحيائه وحسن تعامله، وتواضعه، وصبره، وعفته، وألا يسرف في المباحات؛ لأنه قدوة، وألا يخالف قوله عمله، وأن يكون مشفقا على إخوانه المسلمين، باذلا لهم النصح والدعاء وذا عطف على المحتاجين الفقراء، مستذكرا دائما قوله الله تعالى: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ [هود: ٨٨] (١) .
ثالثا: صفات قيادية. وذلك بأن يكون قوي الشخصية، ثابت القلب، ذا حزم ورأي، وثقه بالله تعالى، وشجاعة في غير تهور، وله نظرة بعيدة، وتفكير عميق وعزيمة قوية، ونشاط دائب، وترتيب لأقواله وأفكاره، وأعماله، مستشعرا قول الله تعالى. ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾ [الأحزاب: ٣٩] (٢) . نسأل الله العظيم بفضله وكرمه أن يمن علينا بذلك.
_________
(١) سورة هود ٨٨.
(٢) سورة الأحزاب ٣٩.
1 / 18
[إمامة الفاسق ومستور الحال]
إمامة الفاسق ومستور الحال والعاجز الفسق إما في الاعتقاد، وإما في الأعمال، والأول فساد في العقيدة وهذا هو المبتدع، والثاني فساد في السلوك بارتكاب كبيرة من كبائر الذنوب أو الإصرار على صغيرة من الصغائر كشرب الدخان، وحلق اللحية ونحو ذلك.
وقد اتفق العلماء على كراهة الصلاة خلف الفاسق من أي نوع من الأنواع السابقة، ولكن اختلفوا في صحة الصلاة خلفه والذي رجحه الإمام ابن تيمية ﵀، وأن الصلاة خلف أهل الأهواء والبدع والفجور صحيحة، حيث قال: الفاسق والمبتدع صلاته في نفسه صحيحة، فإذا صلى المأموم خلفه لم تبطل صلاته، لكن إنما كره من كره الصلاة خلفه لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، ومن ذلك أن من أظهر بدعة أو فجورا لا يرتب إماما للمسلمين؛ فإنه يستحق التعزير حتى يتوب، فإذا أمكن هجره حتى يتوب كان حسنا، وإذا كان بعض الناس إذا ترك الصلاة خلفه وصلى خلفه غيره أثر ذلك حتى يتوب أو يعزل أو ينتهي الناس عن مثل ذنبه فمثل هذا إذا ترك الصلاة خلفه كان فيه مصلحة، ولم يفت المأموم جمعة ولا جماعة، وإما إذا كان ترك الصلاة يفوت المأموم الجمعة والجماعة فهنا
1 / 19
لا يترك الصلاة خلفهم إلا مبتدع مخالف للصحابة ﵃ (١) .
وقد بين ﵀ في موضع آخر أن على ولاة الأمر ألا يرتبوا مثل هؤلاء أئمة، لكن إذا رتبوا أئمة، ولم يكن في الإمكان الصلاة خلف غيرهم فإنه يصلى خلفهم خوفا من فوات الجمعة والجماعة (٢) .
فالشيخ ﵀ يوازن بين أمرين: أحدهما عدم إمكانية الصلاة خلف غيرهم، وبهذا تفوت عليه الجمعة والجماعة، الآخر الصلاة خلف الفاسق، وبهذا تتم له الجمعة والجماعة، وهنا يرجح الشيخ ارتكاب أخف الضررين، وتفويت أعظم المفسدين.
وهذا هو ما أجاب به عثمان ﵁ عندما دخل عليه عبيد الله بن عدي بن الخيار، وهو محصور فقال: إنك إمام عامة، ونزل بك ما ترى، ويصلي لنا إمام فتنة، ونتحرج، فقال: الصلاة أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسن الناس فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم (٣) .
_________
(١) مجموع الفتاوى ٢٣ / ٣٥٤.
(٢) المرجع السابق ٢٣ / ٣٤٣، ٣٥٦.
(٣) رواه البخاري في كتاب الأذان، باب إمامة المفتون والمبتدع ١ / ١٧١.
1 / 20
ومن المعلوم أن هذا الإمام قد شق عصا الطاعة، وخرج على إمام المسلمين فهو إمام فتنة، وصاحب بدعة، ومع ذلك أجاز عثمان ﵁ الصلاة خلفه. وابن عمر ﵄ معروف بشدة تحفظه، ومع ذلك فقد أثر عنه أنه كان يصلي خلف الخشبية والخوارج زمن ابن الزبير وهم يقتتلون، فقيل له أتصلي مع هؤلاء وبعضهم يقتل بعضا فقال: من قال حي على الصلاة أجبته، ومن قال حي على الفلاح أجبته، ومن قال حي على قتل أخيك المسلم وأخذ ماله قلت لا (١) .
ويوازن الإمام ابن تيمية ﵀ بين أمرين أيضا: أحدهما دفع الإمام بضرر زائد على إمامته، والآخر: الصلاة خلفه، فيرى عدم جواز دفعه إذا كان يترتب على ذلك ضرر أكبر فيقول: فإذا لم يكن منع المظهر للبدعة والفجور إلا بضرر زائد على ضرر إمامته لم يجز ذلك، بل يصلى خلفه ما لا يمكنه فعلها إلا خلفه، كالجمع والأعياد إذا لم يكن هناك إمام غيره، ولهذا كان الصحابة يصلون خلف الحجاج، والمختار بن أبي عبيد الثقفي وغيرهما الجمعة والجماعة، فإن تفويتها الجمعة والجماعة أعظم فسادا من الاقتداء فيهما بإمام فاجر، لا سيما
_________
(١) رواه البيهقي في كتاب الصلاة، باب الصلاة خلف من لا يحمد فعله ٣ / ١٢٢.
1 / 21