وبالجملة فالبينة اسمٌ لكل ما يبين الحق ويظهره ومن خصها بالشاهدين أو الأربعة أو الشاهد لم يوف مسماها حقه، ولم تأت البينة قط في القرآن مرادًا بها الشاهدان وإنما أتت مرادًا بها الحجة والدليل والبرهان مفردةً ومجموعة، وكذلك قول النبي ﷺ: البينة على المدعي (١) . المراد به أن عليه بيان ما يصحح دعواه ليحكم له، والشاهدان من البينة ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها لدلالة الحال على صدق المدعي فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد، والبينة والدلالة والحجة والبرهان والآية والتبصرة والعلامة والأمارة متقاربة في المعنى. وقد حكم رسول الله ﷺ بالشاهد واليمين قال ابن عباس ﵄: قضى رسول الله ﷺ بشاهدٍ ويمين (٢) . وقد قبل شهادة المرأة في الرضاع، والأعرابي في رؤية الهلال، وقال الأصحاب: شهادة الواحد تجوز عند الحاجة بلا يمين. ويقبل خبر المرأة فيما لا يطلع عليه الرجال غالبًا من الولادة والرضاع والحيض والعدة والعيوب، وتقبل شهادة أهل الخبرة والطب في الموضحة وشبهها.
بعض الأدلة على مشروعية العمل بالقرائن:
١- مما ورد في شرع من قبلنا والذي لم يرد في شرعنا ما يخالفه: توصل شاهد يوسف ﵇ بشق القميص من دبر إلى معرفة براءته وصدقه، وكما توصل (سليمان ﷺ بقوله (ائتوني بالسكين حتى اشق الولد بينكما) إلى معرفة عين الأم.
٢- ومما ورد من السنة:
ما فعله الزبير بن العوام ﵁ من تعذيب أحد ابني أبي الحقيق بأمر رسول الله ﷺ حتى دلهم على كنز حيي لما ظهر له كذبه في دعوى ذهابه بالإنفاق فقال ﷺ: المال كثير والعهد أقرب من ذلك.
_________
(١) - رواه الترمذي (١٣٤١) . وهو في الصحيحين بلفظ: لكن اليمين على المدعى عليه.
(٢) - رواه مسلم ١٧٢١.
18 / 3