لَكِن هَذَا يؤخذ عَلَيْهِ: ان هذِهِ الألفاظ، وإن كَانَتْ تطلق أحيانًا عَلَى الغسل فإن الحال في مسألتنا هذِهِ لا يحتمل ذَلِكَ؛ لأَنَّهُ يؤدي إِلَى تناقض تتنَزه عَنْهُ نصوص الشريعة؛ فحديث أم المؤمنين عائشة ﵂ قَدْ جاء بلفظ: «فدعا النَّبيّ ﷺ بماءٍ فأتبعه وَلَمْ
يغسله» فإذا جَعَلَ أتبعه بمعنى غسله فإن المَعْنَى حينئذ يَكُون فغسله وَلَمْ يغسله.
وَكَذَلِكَ حَدِيث أم قيس بنت محصن قَدْ جاء بلفظ: «فنضحه وَلَمْ يغسله» فلو حمل النضح عَلَى مَعْنَى الغسل لكان التقدير: فغسله وَلَمْ يغسله، وهذا تناقض غَيْر معقول.
وأيضًا فإن النَّبيّ ﷺ عطف الغسل عَلَى النضح في حَدِيث عَلِيّ ﵁، وعطف الرش عَلَى الغسل في حَدِيث أبي السمح ﵁، والعطف يَقْتَضِي المغايرة. فلو أريد بهما مَعْنَى واحدٌ، لكان عبثًا يتنَزه عَنْهُ الشارع (١) .
المذهب الثَّانِي:
نُسِبَ إلى الشَّافِعيّ قَوْلٌ: بأن بول الصبي الَّذِي لَمْ يأكل الطعام طاهر. ونسبت رِوَايَة إلى الإمام مَالِك: أَنَّهُ لا يغسل بول الجارية وَلاَ الغلام قَبْلَ أن يأكلا الطعام.
لَكِنْ ذكر الباجي (٢) أن هذِهِ الرِّوَايَة عن مَالِك شاذة (٣) . وذكر النَّوَوِيّ أن نقل هَذَا القَوْل عن الشَّافِعيّ باطل (٤) .
لِذلِكَ لا حاجة للتعليق عَلَى هَذَا المذهب.
المذهب الثَّالِث:
_________
(١) فقه الإمام سعيد بن المسيب ١/٣٧
(٢) هو الحافظ أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعيد التجيبي الذهبي الباجي ولد سنة (٤٠٣ هـ) من مصنفاته " المنتقى في الفقه " و" المعاني في شرح الموطأ " و" الاستيفاء "، توفي سنة (٤٧٤ هـ) .
وفيات الأعيان ٢/٤٠٨، وتذكرة الحفاظ ٣/١١٧٨ و١١٨٠، وشذرات الذهب ٣/٣٤٤.
(٣) المنتقى شرح الموطأ ١/١٢٨.
(٤) شرح صَحِيْح مُسْلِم ١/٥٨٣-٥٨٤.
4 / 7