فَفِي قَوْلِ الله: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ﴾، وَحَدِيثِ رَسُولِه ﷺ بَيَانٌ وَمَعْنًى مُخَالِفٌ قِيلَكَ لَا شَكَّ فِيهِ، وَكَيْفَ أَقرَرْتَ بِالحَدِيثِ فِي الأُصْبُعَيْن مِنْ أَصَابِعِ اللهِ وَفَسَّرْتَهُمَا قُدْرَتَيْنِ؟ وَكَذَّبْتَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي خَمْسِ أَصَابِعَ، وَهُوَ أَجْوَدُ إِسْنَادًا مِنْ حَدِيثِ الأُصْبُعَيْنِ؟ أَفَلَا أَقْرَرْتَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ثُمَّ تَأَوَّلْتَهُ: القُدْرَةُ خَمْسُ قُدْرَاتٍ، كَمَا تَأَوَّلْتَ فِي الأُصْبُعَيْنِ بِقُدْرَتَيْنِ؟ فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: «بَين أَصْبُعَيْن مِنَ الأَصَابِع».
فَأَمَّا تَكْذِيبُكَ بِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ:
«أَنَّ حَبْرًا مِنَ اليَهُودِ قَامَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَبَلَغَكَ أَنَّ الله يَحْمِلُ يَوْمَ القِيَامَةِ السَّمَاوَاتِ عَلَى أُصْبُعٍ، وَالجِبَالَ عَلَى أُصْبُعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى أُصْبُعٍ، وَالمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى أُصْبُعٍ، وَالخَلَائِقَ عَلَى أُصْبُعٍ، ثُمَّ يَهُزُّهُنَّ وَيَقُولُ: أَنَا المَلِكُ؟، فَضَحِكَ رَسُولُ الله ﷺ؛ تَعَجُّبًا لِمَا قَالَ الحَبْرُ، وَتَصْدِيقًا لَهُ، ثُمَّ قَرَأَ ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ﴾ [الزمر: ٦٧]».
فَادَّعَيْتَ أَنَّ هَذِهِ نَزَلَتْ تَكْذِيبًا لِمَا قَالَ الحَبْرُ، ثُمَّ قُلْتَ: أَفَتَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اليَهُودِ؟
فَيُقَالُ لَكَ أَيُّهَا المَرِيسِيُّ: قَلَّمَا رَأينَا مُفَسِّرًا ومُتَكَلِّمًا أَشَد مُنَاقِضًا لِكَلَامِهِ مِنْكَ؛ مَرَّةً تَقُولُ: الحَدِيثُ يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ ﷺ وَتُفَسِّرُهُ قُدْرَتَيْنِ، وَمَرَّةً تَقُولُ: هُوَ كَذِبٌ.
وَقَوْلُ اليَهُودِ تُقِرُّ بِهِ مَرَّةً، وتُنْكِرُهُ أُخْرَى، وَلَوْ قَدْ كُنْتَ مِنْ أَهْلِ الحَدِيثِ وَرُوَاتِهِ؛ لَعَلِمْتَ أَنَّ الأَثَرَ قَدْ جَاءَ بِهِ تَصْدِيقًا لِلْيَهُودِيِّ، لَا تَكْذِيبًا لَهُ كَمَا ادَّعَيْتَ.