Reasons for the Torment of the Grave
من أسباب عذاب القبر
ژانرها
من أسباب عذاب القبر
في هذه المحاضرة يتحدث الشيخ عن الأسباب التي توجب عذاب القبر، مبتدئًا ببيان انقسامها إلى قسمين رئيسين: مفصلة ومجملة، فبدأ بالحديث عن الأسباب المجملة، وهي جهل الناس بالله ﷿ ومخالفتهم لأوامره، وارتكابهم لنهيه ﷿، ثم ذكر الأسباب المفصلة وهي سبعة، شارحًا السببين الأولين، فيما تناول بقية الأسباب الأخرى بصورة مجملة.
1 / 1
النميمة من أسباب عذاب القبر
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
أيها الإخوة في الله! حياكم الله في روضة من رياض الجنة، وفي حلقة من حلقات العلم والإيمان، التي تزكو بها الأرواح وتعلو بها الأنفس، ويشرف بها الإنسان حينما يقف بين يدي الله ﷿، فيحاسب على كل دقيقٍ وجليلٍ من عمله في هذه الدار فيرى في صحائف عمله وفي سجلات سلوكه هذا الساعات التي اغتنمها من حياته وأمضاها في رياض الجنة وفي حلق الذكر، فإنه لا يبقى للإنسان بعد موته إلا ما كان لله ﷿، أما ما كان من حظ النفس أو من حظوظ الدنيا فإنه يذهب ويفنى بفناء النفس والدنيا، وما أريد به وجه الله فهو الباقي في الدنيا وفي الآخرة -نسأل الله وإياكم من فضل الله ﷿.
كان الكلام في الماضي عن عذاب القبر، وعن نعيمه -نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل النعيم- ولكن قد يبدو أو يبدر سؤال عن الأسباب التي توجب عذاب القبر؟ وعن الأسباب التي تنجي من عذاب القبر؟ وقد بوب العلماء في كتبهم وفي مصنفاتهم أبوابًا لهذه المسألة، وخصوها بكثير الاهتمام؛ لأنها تضع المسلم على الأمور التي ينبغي له أن يهتم في اجتنابها حتى لا يقع في الأسباب الموجبة لعذاب القبر؛ ولأن منهج الإسلام في تربية أتباعه وأبنائه أن يضعهم دائمًا على النقاط وعلى الحروف، ويضع أيديهم على المواطن التي يلمسونها ويعلمون بها، لا يتركهم في متاهات، ولا يضعهم في مجاهيل، وإنما يوضح لهم الأمور ويبين لهم الحقائق حتى يستطيعوا أن يعملوا على مستوياتهم المتباينة في الفهم والإدراك، لكن كل مسلم لابد أن يخرج بخيرٍ من هذا المعين العظيم الذي هو معين النبوة وهدي الرسالة صلوات الله وسلامه على صاحبها.
الأسباب التي توجب العذاب في القبر على قسمين: قسمٌ مجمل، وقسم مفصل وموضح ومبين.
فأما المجمل فإن الناس يعذبون في قبورهم بأسباب جهلهم بالله، وبدينه وبنبيه ﷺ وبأسباب إضاعتهم لأوامر الله، وارتكابهم لمعاصيه، هذه بالإجمال تسبب لصاحبها العذاب في القبر، كلما كان الإنسان جاهلًا بهذا الدين وجاهلًا بالنبي ﷺ وبالله ﷿، وأيضًا ارتكب ما نهى الله عنه وضيع ما فرض الله وأمره به كان مستوجبًا لعذاب القبر.
وهناك أسباب مفصلة -يعني: معينة- ومبينة وموضحة من يقع فيها يناله عذاب القبر إلا أن يشاء الله، وقد وردت بها النصوص الصحيحة الصريحة من سنة النبي ﷺ، وهي سبعة أشياء.
الأول من الأسباب: النميمة: وهي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد، بنية إفساد ذات البين، والثاني: الاستنزاه من البول، هذان السببان موجبان لعذاب القبر، فقد ورد في الصحيحين في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم عن طاووس عن ابن عباس ﵁، قال: (مر النبي ﷺ بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير) يعني: سبب عذابهم ليس بسبب كبير في نظرهم، وإلا فهو عند الله كبير وعظيم، ولهذا جاء في بعض روايات الحديث: (أما إنه كبير) يعني: عند الله، لكن ليس كبير، في أنظار الناس، يعني: الناس الآن يستعظمون الزنا، ويستعظمون الربا، ويستعظمون قتل النفس ويستعظمون الخمور، لكن هذه معاصي كبيرة ويتساهلون في هذه البسيطة وهي سبب عظيم من أسباب العذاب في القبر (وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة -كان يسعى بالنميمة- وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله، فأخذ عودًا رطبًا فشقه -جريدة من نخل شقها نصفين- وغرز على كل قبر واحدةٍ منهما ثم قال: لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا) الحديث من رواية طاوس اليماني ﵀، فقيه اليمن، وعالمها اليمن، تابعي جليل سمع من زيد بن ثابت ومن ابن عباس ومن عائشة ومن أبي هريرة ﵁ ولازمهم ملازمة كبيرة، وكان من سادات التابعين وكبرائهم، ومن عباد اليمن، كان من العباد الكبار، وحج أربعين حجة، لكن يجب أن نسأل على ماذا حج أربعين حجة على طائرة أو على سيارة على حماره؟ حج أربعين حجة وكان يقول: ما من كلمة يتكلم بها ابن آدم إلا أحصيت عليه.
حتى أنه في مرضه إذا كان مريضًا يقول وهو يئن: آه آه هذا الأنين مسجل ومحسوب؛ لأنك تظهر التبرم والسخط وعدم الرضا؛ لأن مقتضى الصبر أن تصبر، ولذا كان السلف لا يئنون من أمراضهم مهما تعبوا فإنهم يصبرون، ولا يتضجرون من قضاء الله ﷿، وطاوس اليماني مشهور بـ طاوس بن كيسان كان كثير الصمت، فما من كلمة يتكلم بها إلا وهي مسجلة عليه، وأكثر ما يجر الناس إلى النار هو اللسان؛ لأن الكلام لا يزال في ملكك حتى يخرج من فمك، فتكون أنت ملكًا له إما بالخير أو بالشر، إما بالسلب أو بالإيجاب.
لما حج سليمان بن عبد الملك، ووصل إلى مكة قال: هل بقي أحدٌ من أصحاب رسول الله ﷺ؟ قالوا: لا.
قال: هل بقي أحدٌ من التابعين الذين أدركوا بعض الصحابة؟ قالوا: نعم.
بقي طاوس، فأرسل إليه فجاءه، فلما سلم، سلم عليه ولم يقل له: يا أمير المؤمنين! وجلس على بساطه بنعليه، وبعد ذلك قال له: ما هذا الجفاء يا طاوس؟ قال: دخلت ولم تكنيني بإمرة المسلمين، ووضعت نعليك على طرف بساطي، ودعوتني باسمي؛ لأنه قال: السلام عليك يا سليمان! قال: أما أني دعوتك باسمك فإن الله ﷿ خاطب أنبياءه بأسمائهم، قال: يا نوح ويا لوط ويا إبراهيم ويا موسى، يقول: فأنا لم أخطئ فدعوتك باسمك الذي سمتك أمك وأبوك به، قال: وأما أني لم أسمك بإمرة المؤمنين، فإني لا أدري أكل المؤمنين راضين عن إمارتك أو لا؟ فخشيت أن أكذب، أقول: أمير المؤمنين وهم لا يريدونك أميرًا لهم، وكان رجلًا حساسًا عند الكلام.
قال: وأما عدم خلعي لنعلي على بساطك، فإني أصلي بين يدي ربي بنعلي خمس صلوات ولا يغضب علي.
قال له: يا طاوس ما لنا نحب الدنيا ونكره الآخرة؟ قال: لأنكم خربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم، والإنسان بطبعه لا يحب الانتقال من دار العمران إلى دار الخراب، إذا عندك كوخ مهدم وعندك فلة مبنية تريد أن تنتقل من الفلة إلى الكوخ تجلس فيه؟ لا.
فالإنسان يكره الآخرة إذا كان ليس عنده فيها عمل ولا دار، أما السلف الأوُل فكانوا يحبون الآخرة ويكرهون الدنيا؛ لأنهم دمروا الدنيا وعمروا الآخرة.
قال: كيف القدوم على الله يا طاوس؟ قال: أما المؤمن فكالغائب يعود إلى أهله، وأما الفاجر فكالعبد الآبق يقبض عليه مولاه وسيده، والقدوم على الله على حالتين: إما غائب عن أهله مسافر سنين طوال ثم جاء إليهم بعد سنتين أو ثلاث أو أربع سنوات كيف ظنكم بتلك الليلة؟ لاشك أنها ليلة عيد عندهم، إذا كان بعد غيبة طويلة وأيضًا جاء ومعه أموال كثيرة ومصاريف وهدايا، ويقسم الهدايا على الناس، كل القرية والمدينة تفرح وتسعد بمجيء هذا، أبوه يفرح به وأمه وزوجته وأولاده وأقاربه يسعدون به، فهو في ليلة من الأنس والسعادة مع أهله.
وأما الفاجر فكالعبد الآبق يعني: الهارب من سيده يقبض عليه مولاه، يعني: عبد مملوك شرد من سيده وبعد فترة وجده فأمسك به، أين يمسيه تلك الليلة؟ يمسيه في الإصطبل، وهو مكان إنزال وإسكان الحيوانات كان في البيوت في الماضي نضع فيها الحمير والبقر، وإذا أخطأ أحد العبيد المماليك جعلوه يبيت في هذا المكان حتى بعض الآباء إذا أراد أن يربي ولده يربطه مع الحمار؛ لأنه لم يكن هناك فنادق ولا قهوة يذهب ينام فيها، ليس هناك إلا بيت أبيه فهذا قادم على الله وهو آبق فاجر يقبض عليه الله ﷿ فلا يمسيه إلا في النار.
لا حول ولا قوة إلا بالله! يقول طاوس اليماني: عن ابن عباس ﵄؛ وابن عباس هو ابن عم رسول الله ﷺ وحبر الأمة وترجمان القرآن وقمطر العلم، توفي رسول الله ﷺ وعمره ثلاث عشرة سنة، أدرك من العلم ما لا يدركه كبار الصحابة، كان فقيهًا ببركة دعوة النبي ﷺ فقد دعا له وقال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) فكان يعرف من أسرار القرآن ما لا يعرفه غيره، وكان يقول: [أنا من القليل الذين يعرفون عدد أصحاب الكهف] قال تعالى: ﴿مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ﴾ [الكهف:٢٢]، من علم الله الذي أعطاه.
يحدث ابن عباس عن رسول الله ﷺ ويقول: (مر رسول الله ﷺ على قبرين) والمرور على المقابر سنة، ينبغي للمسلم أن يمر باستمرار على المقابر وأن يدعو وأن يسلم، فإن السلام والدعاء ينفع والاعتبار يحصل، لكن إذا لم تمر على المقابر فإن قلبك سيقسو؛ لأن النبي ﷺ كان قد نهى في أول الأمر عن زيارة المقابر ثم أمر بزيارتها قال: (إني كنت قد نهيتكم عن زيارة المقابر ألا فزوروها فإنها تذكركم بالآخرة) ولا يحصل للإنسان الاتعاظ القوي إلا إذا وقف على المقابر هكذا ونظر في ظهور القبور وتأمل بجزءٍ من التفكير العميق في بواطنها وكيف كان أصحاب هذه القبور يعيشون بين الناس؟ كانوا أقوياء وأثرياء وأغنياء، وعظماء وعلماء وكانوا حكماء وشجعان، ثم بعد ذلك كيف دسوا في التراب، وكيف وضعوا تحت اللحود، وكيف أن الزمان سيدور دورته وأن السرة سوف تصل إلي وسوف أسكن أنا فيها.
أيها الناظر إلى القبر! في تلك الحفرة المظلمة سوف توسد ويغطى وجهك بالتراب وتحت ظهرك ورأسك تراب، وفوق رأسك صلايا ولحود، وبعد ذلك ليس معك هناك أحد، هذه تأملات تزرع في الإنسان القوة في العمل، فيعود من القبر معتبرًا، ولذا كان ميمون بن مهران ﵀ من السلف قد حفر في بيته قبرًا، فإذ
1 / 2
النميمة وضررها على الفرد والمجتمع
النميمة التي هي سبب من أسباب عذاب القبر هي من أعظم الذنوب، وقد ذكرنا في ليلة من الليالي الماضية الحديث، وهو في صحيح البخاري قوله ﷺ: (لا يدخل الجنة نمام) قد يسأل أحدهم: كيف لا يدخل الجنة نمام؟ فقلنا: إن هذه الأحاديث -أحاديث الترهيب والوعيد- لا تؤخذ بمفردها، وإنما تؤخذ بمجموعها، ومع إجمال ما ورد فيها، وهذا الحديث إذا كان صاحبه النمام موحدًا فإنه لا يدخل الجنة ابتداءً وإنما نهايته في النهاية إلى الجنة بعد أن يمكث في النار ما شاء الله ﷿ أن يمكث.
أما أن يدخل مباشرة إلى الجنة؟ فلا.
لأنه لا يدخل الجنة نمام؛ لأن النميمة من أعظم الكبائر ومن الموبقات -والعياذ بالله- ومن الذنوب التي يتعدى ضررها إلى الغير، يقول ﵊: (دب إليكم داء الأمم قبلكم ألا إنها الحالقة -تحلق الدين وتجعله أصلع- لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين) و(نهى رسول الله ﷺ عن القيل والقال، وعن إضاعة المال وعن كثرة السؤال) القيل والقال مأخوذة من القلقلة يعني: تسمع قولًا فتذهب تنقله، وأنت بهذه الطريقة تفتن بين المسلمين وتزرع المشاكل وتسبب الإحن وتنزع الثقة من الناس، وتجعل المسلم يكره المسلم، وإذا وجدت الكراهية والبغضاء والشحناء والاضطرابات النفسية في النفوس فإن الدين يرحل، ولا يحل الدين إلا في أرض الحب والمودة، ولهذا الله ﷿ جعل الود بين الصحابة والولاء أرضية لقيام الدين الإسلامي في المدينة، وأول عمل فعله ﷺ أنه آخى بين المهاجرين والأنصار، قال الله ﷿: ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾ [الأنفال:٦٣] فتأليف القلوب هدف من أهداف الدين، وتشتيتها هدف من أهداف الشيطان والشرك، فلا ينبغي أن يزرع في المجتمع المسلم إلا الود، والنميمة ضده؛ لأن الإنسان ليس معصومًا، قد يقول الإنسان كلمة وهو لا يلقي لها بالًا في مجلس من المجالس يخطئ، تزل به القدم أو يعثر به اللسان؛ لأنه بشر فيذكر أحد الناس -مثلًا- في المجلس، فهو يقول: من هو فلان؟ فلان ليس فيه خير، فأحد الجلوس لقطها وذهب إليه، قال: ما الذي بينك وبين فلان؟ قال: بالأمس كنا جلوسًا ولم يذكرك أحد إلا فلان قال: ليس فيك خير وأنك لعاب وإنسان شيئ.
قال: هل هذا صحيح؟ قال: نعم.
ألا تعرفه؟ هو خبيث ولكنه يتظاهر لكم أحيانًا والله لو تعلم ماذا فيه، قال: ماذا فيه؟ قال: فيه وفيه وفيه.
قال: الله أكبر عليه، والله كنت أظن أن فيه خيرًا.
وخرج مباشرة إلى الآخر، وقال: السلام عليكم، كيف الحال إن شاء طيب أنت بخير، ماذا بينك أنت وفلان؟ والله أنا أعلم أنكم أصدقاء.
قال: ماذا هناك؟ قال: كنت عنده بالأمس وقد تكلم عليك وقال فيك: كذا وكذا.
ما ظنكم بعد أن يتقابلا، ماذا يحدث بينهما؟ أول ما ينظر إليه من أول الطريق يهرب منه، وإذا سمع عنه أي خير يقلب الحقائق عنه، وإذا سمع عنه أي شر يثير البغضاء والفاحشة عنه، وبعد ذلك يكرهه ويكره أولاده وجيرانه وأقاربه وتشيع وتصدر المفاسد العظيمة بأسباب نقل الكلام، ليس لك مصلحة من نقل الكلام.
ولذا يذكر أهل العلم قصة وهي أن رجلًا كان له عبد مملوك، وكان هذا العبد من صفاته -والعياذ بالله- أنه نمام؛ والنميمة مرض، بعضهم إذا ما نم لا يأتيه النوم، عنده النميمة أكلة ووجبة، يضل جائعًا حتى يقول نميمة، فهذا مريض بهذا المرض فعلم سيده وعرف طريقته وأراد أن يتخلص منه فذهب إلى السوق وباعه في سوق النخاسين -مكان بيع العبيد- ونادى عليه قال: هذا العبد خدوم فيه كل خصلة إلا خصلة ليست طيبة، قالوا: ما هي؟ قال: نمام، قال الذي يريد أن يشتريه: لا نصدقه، فاشتراه ولم يصدقه أول الأمر، ومشت الأيام والليالي وجلس العبد المنحوس هذا ينصب له كذبة ونميمة لا أعظم منها، وجاء يومٌ من الأيام إلى سيدته، وكانت امرأة دينة طيبة وكانت على علاقة طيبة بزوجها بينها وبينه عشرة ومودة ورحمة وألفة وحياة كريمة، فصعب عليه هذا الجو الآمن وهذا العش الهادئ، فأراد أن يحطمه وأن يقضي عليه بهذا الأسلوب الشيطاني الذي عمله، فجاء إلى عمته وقال لها: يا عمة! قالت: نعم.
ماذا تريد؟ قال: سيدي يريد أن يتزوج، الحقيقة أنه مخطئ وأنت طيبة، ومخلصة، وأنا سمعت أنه يبحث عن زوجة، قالت: هل هذا صحيح؟ قال: نعم.
أنا معه دائمًا أشاهده يتكلم مع الناس ويسأل ويرسل، وأظنه عازم على الزواج، وتعرفون أن بعض النساء لا تحب أن يتزوج عليها زوجها، هي تريد زوجها لها، فإذا جاءها مشارك فيه تقوم قائمتها، ولذا صعب عليها الأمر فأراد أن يحل إشكالها، قال: يا عمة! قالت: نعم.
قال: تريدين أن أحل المشكلة وأجعله لا يعرف النساء أبدًا ولا يتزوج عليك مدى الحياة، قالت: بارك الله فيك، قال: أنا عندي فكرة، فقط أريد شيئًا مهمًا جدًا تحرصين عليه وتأتين به، قالت: ماذا تريد؟ قال: فقط أريد شعرات من لحيته، قالت: كيف آخذها؟ قال: إذا نام في الليل فخذي سكينًا وخذي منه شعرات واقطعيها وأتي بها إلي.
وقام من نفس اللحظة وتلك في البيت مسكينة وذهب لدكان عمه وهو تاجر وقال: يا عم يا عم! قال: ماذا بك؟ قال: أتيتك بخبر؛ قال: عمتي تحب شخصًا وقد عزمت هذه الليلة هي وإياه على قتلك! قال: عمتك تحب رجلًا وتريد أن تقتلني؟ قال: نعم.
قال: ما عهدت عليها هذا الأمر، قال: أنا نذير لك، وأنا أقول لك: إن كان الخبر صحيحًا تعرف أني مخلص لك، وإن كان الخبر ليس صحيحًا فاقتلني، قال: كيف أعلم أنه صحيح؟ قال: تذهب هذه الليلة وتستلقي على فراشك وتتناوم لكن لا تنام، انتبه حذاري أن تنام.
أنا براء منك وأنت ستراها تأتي إليك وفي يدها سكين حادة تريد أن تقطع رقبتك ثم تذهب هي مع هذا الرجل.
ذهب هذا الرجل إلى البيت ولم يتغد، وهي أيضًا ما استقبلته استقبالًا حسنًا؛ لأن في قلبها شيء، قد أخبرها ذاك أنه سيتزوج عليها، فلما دخل جاء الشيطان إليه وقال: إن العبد كان صادقًا، انظر إليها ليست بطبيعتها الأولى حيث كانت تستقبلك وتقول: كيف حالك؟ كيف السوق؟ انظر إليها اليوم معبسة ماذا بها؟ ولما ذهب الرجل إلى فراشه استلقى على ظهره وجعل يفتح عيونه من بعيد، وجاءت المسكينة تريد أن تأخذ شعرات من تحت لحيته من أجل أن يبقى لها، ومن أجل أن تعيش معه حياةً كريمة فأخذت السكينة ولما أهوت بيدها إلى حلقه تمسك الشعرات وصبر ولما اقتربت السكينة من رقبته قام الرجل وأخذ السكين من يدها ووضعها على الأرض وذبحها، وكان الخبيث عند الباب يراقب، ويوم سمع الصياح خرج وذهب إلى أهل المرأة وصاح عليهم قال: فلان ذبح ابنتكم، فجاءوا كلهم بسلاحهم ودخلوا على الرجل وإذا ابنتهم مذبوحة، فخرج من بينهم وذهب لقرية الرجل قال: آل فلان هجموا على ولدكم وذبحوه وذبحوا امرأته، المهم اقتتلت القبيلتان حتى فنيت بسبب هذا العبد المنحوس.
جاء في بعض الآثار: أن النمام يفسد في ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة، النمام يفسد في لحظة وفي دقيقة وفي ربع ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة، النمام يزعزع كيان الأمم والشعوب والمجتمعات والأسر يجعل الأخوين عدوين، والصديقين متباعدين، والزوج عدو لزوجته، والولد عدو لأبيه، حتى بين الولد وأبيه، فبعض الناس يجلس مع أحد الأبناء فيقول له: هل يعاملك هكذا دائمًا؟ والله لو كان أبي هذا ما نظرت لوجهه، لماذا لا يأخذك باللطف؟ والإحسان؟ ولماذا لا يترضى لك ويعاملك معاملة حسنة؟ فإذا ذهب الولد إلى أبيه لا يرد عليه، يقول الأب: ماذا بك لا ترد ولا تتكلم؟ قال: أنت تعاملني هكذا، أشاهد الناس يعطون لأولادهم ويعاملونهم معاملة طيبة ويعملون لأولادهم لكن لو كان فيه خير ذلك الذي جاء إليه الابن يشتكي أباه لقال له: لا.
هذا أبوك، وهو سبب وجودك، وسر وجودك في هذه الحياة وهو جنتك ونارك، كيف لك أن تبدل أباك؟ ما عليك إلا أن تصبر على قسمتك، ليس هناك أب غيره لك.
وبعض الناس إذا سمعك تتكلم عن أولادك تقول: والله أنا فلان زعلان منه أو فلانة -الزوجة- أنا زعلان منها، قال مباشرة: هذا جيد، بدل أن يقول: لا والله أبدًا ولدك فيه خير، ولدك جيد، يجعل لك أملًا في ولدك، لكن من حين أن تقول له: والله فلان قال: أي والله إنه خبيث -أعوذ بالله- وبدأ يعلمك حتى يجعلك عدوًا لولدك، أنت لا تريد أن تكون عدوًا لولدك ولا تريد أن أحدًا يبلغك عن أهلك ولا عن زوجتك ولا عن أولادك سوءًا، فإذا أحد شكى عليك لا تزد الطين بلة، هو يبث لك من أجل أن تعزيه ومن أجل أن تفرحه، لا من أجل أن تحزنه وتقتله.
لا حول ولا قوة إلا بالله!
1 / 3
من صفات أهل الضلال والفسق
النميمة مصيبة من أعظم المصائب على المجتمعات الإسلامية، ولا يمكن أبدًا أن يحملها إلا رجلٌ لا خير فيه في الدنيا والآخرة، وقد بين الله ﷿ في كتابه العزيز أن هذه صفة من صفات الضلال والإضلال مع غيرها من المرادفات تجمعت في رجلٍ من كفار قريش اسمه: الوليد بن المغيرة، وهو من كفار قريش ومن زعمائهم ومن العتاة والصناديد الذين كانوا يردون ويصدون عن دين الله ﷿، سماه الله ﷿: «مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ» [القلم:١١] وبين الله فيه أيضًا من بعض صفاته أنه دعي، وأنه ابن زنا ولا أب له، قال ﷿: ﴿وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ﴾ [القلم:١٠] حلاف: يعني كثير الأيمان، يحلف على كل شيء: بلى والله، ولا والله، وإلا والله -أعوذ بالله- أين الله، ما بك تلعب بالأيمان وتتساهل بها، احفظوا أيمانكم، لا يجوز -يا أخي- أن تقسم بالله إلا إذا احتجت وفي ظرفٍ قاهر ونادر أما أن تحلف على كل شيء، خذ والله تشرب، عليك وجه الله أن تأخذه، عليك وجه الله أن تقوم -أعوذ بالله- بعضهم تجده -والعياذ بالله- واقع في هذه ولا يقيم لله وزنًا ﴿حَلَّافٍ مَهِينٍ﴾ [القلم:١٠] مهين: يعني: لا قيمة له، هين دنيء ﴿وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [القلم:١١] الهماز هو: الذي يغمز في الناس، إذا مر شخص وأنت جالس معه، قلت: من هذا؟ قال: هذا خبيث، ماذا فيه؟ قال: لو تعرف أهله وطبعهم.
هماز يعني: يبحث عن نقطة ضعف في كل مسلم ويغمز فيها، ولهذا قال الله: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ﴾ [الهمزة:١] يلمز ويهمز، يلمز: ينقل، ويهمز: يطعن في الناس، يشكك من قدرات الناس ويضعف من قيمة الناس، ويزعزع ذكر الناس في الآخرين، لا يريد أن يكون أحد حسنًا إلا هو، الناس كلهم غير طيبين ما عدا هو فهو طيب، وكل ما ذكر شخص فيه عيب قال: فلان الأعور، فلان الطويل، فلان القصير ذاك فلان المتين، فلان النحيف، فلان الأشدق، فلان الألتق فلان يذكر كل شخص بما فيه من عيب لا يستطيع أن يذكر الشيء الطيب فيه، لماذا؟ لأن منظاره أسود، وعينه قذرة لا تقع إلا على القذر، مثل الذباب؛ الذباب الآن أين يقع؟ لا يقع إلا على النجاسة، فالفاسق مثل الذباب إذا جلس يجلس على نجاسة، وإن أخذ أخذ نجاسة، وينقل عدوى، وإن جاء على مكان يؤذيه، بينما المؤمن كالنحلة، إن أكلت أكلت طيبًا وإن حملت حملت طيبًا، وإن وقعت على شيء أو عودٍ لم تكسره أو تخدشه، فالمؤمن كالنحلة والمنافق كالذباب.
فالله ﵎ يقول: ﴿وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ [القلم:١٠-١١] يعني: ينقل الكلام بين الناس باستمرار يعني: ليس لديه عمل إلا النميمة: ﴿مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾ [القلم:١١-١٢] ليس عنده خير أبدًا، الخير عنده غير مأمون ﴿مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾ [القلم:١٢] وأيضًا يعتدي بلسانه وبعينه وبأذنه وبيده وبفرجه وبرجله وبكل وسيلة على الناس لا يترك أحدًا، وأيضًا أثيم؛ واقع في الجرائم والآثام، آثم يواري توحيد الله، معتدٍ أثيم، بعد ذلك عتل: متكبر متعجرف قلبه أقسى من الحجر لا يلين لكلام الله ولا يستمع موعظة ولا يحضر مسجدًا ولا يسمع عالمًا، عتل وبعد هذا، أي: فوق ذلك كله قال: زنيم، أي: ابن زنا لا أب له، لما نزلت هذه الآية وسمعها الوليد بن المغيرة جاء إلى أمه، وسل سيفه وقال: قد وصفني محمد بتسع صفات أما ثمان فوالله إني أعلمها أنه صادق أنها فيني -انظروا كافر لكن يعرف أن الوصف هذا كله فيه- قال: أما ثمان فوالله إني أعرف أنها فيني، وواحدة بقيت لا أدري والله إما أن تصدقيني أو لأذبحنك بهذا السيف، قالت: لا تذبحني إن أباك كان رجلًا عنينًا أي: لا ينتصب عضوه تقول: وخشيت أن ينقطع ذكره فذهبت يومًا مع الغنم إلى الراعي، وحملت بك، فأنت لست ابن أبيك ولكنك ابن الراعي، ونسبتك إلى أبيك، وبالرغم من هذا ما آمن لماذا؟ لأنه زنيم دعي -والعياذ بالله- ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ * أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ﴾ [القلم:١٣-١٤] لا تطعه ولو كان صاحب مالٍ وبنين؛ لأنه كان صاحب أموال طائلة وصاحب أبناء كثيرين وهو الذي قال: ﴿وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [سبأ:٣٥] فأنزل الله ﷿ قوله: ﴿وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ﴾ [سبأ:٣٧] ﴿أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ [القلم:١٤-١٥] هو الذي قال هذه الكلمة عليه من الله ما يستحق وعليه لعائن الله المتتابعة في الدنيا والآخرة، كان كلما سمع شيئًا يقول: هذه أساطير، أي: خرافات الأولين، قال الله: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ [القلم:١٦] الخرطوم هو: الأنف، ولا يعبر به على الإنسان إلا على سبيل الذم، لا يقال: خرطوم الرجل، أما إذا أردت أن تمدحه فتقول: صاحب الأنف؛ لأن الأنف مشتق من الأنفة ولذا فإنه أعز شيء في الإنسان، ولا يرضى الإنسان أن يضرب على أنفه، يود كل شخص أن يضرب في أي منطقة في جسده إلا في أنفه، ولا يمكن أن تهينها إلا لله ﷿ تسجد لله ﷿ على أنفك وعلى جبهتك تذللًا وخشوعًا وخضوعًا، فالله ﷿ عبر عن هذا الرجل بالخرطوم، وكانت المعارك زمانًا بالسيوف وكان يقول بعضهم: خَرْطَمه، يعني: ضربه على أنفه بالسيف أو بالجنبية وهذه أعظم مسبة عند العرب، أن يضرب الأنف، يقول الله قال: ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ [القلم:١٦] أي: سنجعل لهذا الرجل علامة على خرطومه، وفعلًا كانت له علامة أوقعه أحد الصحابة في يوم بدرٍ أصابه وقطع أنفه -قطع خرطومه- فبقي أفلس ليس معه أنف، بوعد الله ﷿ ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ [القلم:١٦] لأنه كان يقول للنبي ﷺ: مجنون، والله يقول: ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ * فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ﴾ [القلم:٢-٥] يعني: في الآخرة ﴿بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [القلم:٦-٨] أي: الكفرة ﴿وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ﴾ [القلم:١٠] إلى آخر الآيات كما أسلفنا.
1 / 4
حالات الكذب الجائزة
صفة النميمة ليست من صفات أهل الإيمان، ولا ينبغي للمسلم أن يتحلى بها، ولكن يجوز الكذب في ناحية واحدة؛ لأن الناس قيدوها قالوا: هي نقل الكلام بين الناس على جهة الإفساد، أما على جهة الإصلاح فلا بأس، إذا سمعت أن رجلين متخاصمين وأردت أن تسعى بالإصلاح بينهما، فإنه يجوز لك أن تذهب إلى الأول فتقول له: إن فلانًا يثني عليك ويذكرك بالخير ويتأسف على ما بدر منه نحوك، ويتمنى اللحظة التي يلقاك فيها فيعتذر إليك ويبتسم في وجهك ويحييك، ويريد أن يزورك، فيقول الثاني: هل هذا صحيح؟ إذا قال لك: احلف بالله ماذا تعمل؟ اتصلت أنا تلفونيًا بالشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز؛ لأني وقعت في موقف محرج جدًا والرجل يثق بي ثقة كبيرة، لكن يستغرب الكلام الذي قلته عن ذاك، يتصور أنه كلام غير صحيح رغم ثقته فيه، فأراد أن يحرجني قال: احلف بالله أنه قال هذا الكلام؟ فوقعت في موقفٍ عجيب، ليس لدي خيار إلا أن أحلف بالله، ماذا أعمل وأمري إلى الله فحلفت بالله قلت: والله إنه قال، ولكن بقيت هذه اليمين في قلبي مثل الجمرة، أردت خيرًا فوقعت في يمينٍ غموس، ماذا أصنع يا ربِ! وجلست أستغفر الله طوال يومي، ماذا أفعل أقول: لا.
لو أني ما حلفت سيعرف أني كذاب، وبعد ذلك لا يثق بي مطلقًا ويستمر الأمر الذي أنا أردت أني أقضي عليه وهو قضية الفساد الذي حصل بين الرجلين خيارات صعبة لابد لي أني آخذ أقل واحد منها، فتحملت وحلفت، ولما جئت في الليل اتصلت بالشيخ عبد العزيز بن باز وأخبرته فقال: يمينك بارة وأجرك على الله وإن عادوا فعد، -أي والله يا إخواني- قال: ليس هذا من اليمين التي يعذب عليها الله ﷿، هذه يمين أريد بها وجه الله، أريد بها لمّ شعث المسلمين؛ لأن الحقيقة كانت القضية بين الرجلين قد بلغت أوجها لدرجة أنه ما بقي إلا أن يتقاتلا، ثم افترقا، وكان بعضهم يتصور أنه وهو يفترق بالآخر أنه لن يلتقي به أبدًا في حالٍ من الأحوال، لكن من فضل الله لما ذهبت لهذا الرجل الذي كان لا يصدق أن ذاك يقول فيه هذا الكلام قلت: فلان آسف ومتندم ويريد أن يراضيك بأي وسيلة ويعتذر عما حصل ويقول: أنك أنت الذي بدأت لكن هو يقول: إن الشر منه وهو يريد أن يلقاك ويريد أن يزورك وهو مستعد أن يأتي معي إليك فقط يخشى أنك ترده من الباب، قال: صحيح؟! قلت: نعم.
قال: احلف بالله أنه قاله؟ فما قدرت إلا أن أحلف وأمري إلى الله وبعد ذلك انتقلت من هذا ذهبت لذاك، ذاك لم يطلب مني يمينًا، ووافق، ومن فضل الله قَبِل أن نزوره فذهبت أنا والرجل هذا إلى بيته وأصلحت بينهما وتعشينا عند هذا، وفي اليوم الثاني تعشينا عند الآخر والآن الإخوة من أحسن الناس، من فضل الله.
فالشاهد في الموضوع أن هذا ليس من الكذب وليس مما لا يجوز وإنما مما يجوز أن توحد الصفوف وأن تلم الشعث وأن تقرب القلوب عن طريق هذا.
تقول عائشة ﵂: (لم يكن رسول الله ﷺ يرخص بشيء من الكذب إلا في ثلاث: كذب الرجل على زوجته، وكذبه على الحرب، وكذبه في الإصلاح) كذبه على زوجته ليس يعني ذلك أن يأخذ حقوقها ويكذب عليها، يكذب على الزوجة يعني: يقول لها: إن طعامك جيد، ولو كان لا يساوي شيئًا.
وإن الثوب هذا لم أر مثله في حياتي ولو كان لا يساوي شيئًا، وإن الفراش نظيف والرائحة جميلة هذا مما يقرب قلبها لك؛ لأنه يبعث فيها عامل التنافس لتقديم أفضل خدمة؛ لأنك تزكيها، والإنسان دائمًا يحب المدح، أنت عندما تدخل على الطلاب في المدرسة وتأتي إلى طالب بليد وتمدحه وتقول: ما هذا الخط الجميل! ما شاء الله! عجيب! أنت اليوم يظهر عليك أنك ذاكرت بالأمس، فيذهب الطالب يذاكر طوال الليل، لكن عندما يأتيك وهو مذاكر طوال الليل ويضبط الخط ويفعل الواجبات وتشاهده فنقول له: ما هذا الخط؟ فيقول الطالب: الله أكبر على هذا الأستاذ! كنت طوال ليلي أسهر عليها وآخر شيء يقول لي هكذا والله لا أفعل واجبًا فالشاهد في الموضوع أن كذب الرجل على امرأته ليس كذبًا في حقوقها، كأن يأخذ مالها أو يشرد عليها ويقول: ليس عندي شيء؛ لأنه يجوز كذب الرجل على المرأة، لا.
الكذب الذي هدفه الإصلاح وهدفه تقريب القلوب، أما أخذ الحقوق وانتهاك الحرمة والاعتداء فلا يجوز، فالمسلمة هذه لها حق عظيم عند الله؛ لأنك استحللت فرجها بكلمة الله، وهي عارية عندك أسيرة بين يديك، وأمانة وضعها أبوها وأهلها عندك، فاتق الله فيها، وأنت مسئول عنها يوم القيامة أحسنت أو ضيعت.
وكذب الحرب؛ يجوز في الشرع أن الإمام أو الحاكم أو القائد يوري ويموه على الأعداء فإذا كان -مثلًا- يريد الاتجاه إلى الخميس يذهب إلى تهامة، فالعدو الذي في الجهة هذه يقول: والله المعركة ذهبت هناك، لكن يجوز أنه يتجه كذا وبعد ذلك يدور، ويأتيهم من طريق آخر، كما كان الرسول ﷺ يفعل؛ لأن الحرب خدعة، هذا هو الأمر الأول من أسباب عذاب القبر: النميمة.
1 / 5
موقف المسلم تجاه النمام
حسنًا ما موقفك أخي المسلم أمام النمام؟ أولًا: الله ﷿ سمى النمام فاسقًا ولو كان صادقًا، قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات:٦] فالله سماه فاسقًا ولو كان صادقًا؛ لأنه بمجرد نقله للكلام إليك اتسم بسمة الفسق، والفسق هو: الخروج على طاعة الله والوقوع في معصية الله، فأولًا يلزمك إذا جاءك إنسان بنميمة أن تقول له: أنت فاسق، تعلمه أنه فاسق، ثانيًا: أن ترد عليه إذا أتاك وقال لك: فلان يقول ويقول، ماذا تقول؟ تقول له: لا جزاك الله خيرًا، ولا كثر الله خيرك، والله لا يسامحك ولا يعفو عنك، ويجعلها في وجهك، وينصرني عليك يا عدو الله، أنت الذي سبني، أنت الذي نقل الكلام إلي، ما وجد الشيطان وسيلة غيرك، ولا وجد حمارًا يركبه إلا أنت، وتأتيني بالكلام، فلان الذي تكلم في ظهري الله يسامحه، والله يعفو عنه، إنسان يستحي مني على الأقل قال الكلام في غيبتي لا يريد أن يؤذيني ويريد أن يعطيني من حسناته ويأخذ من سيئاتي فجزاه الله خيرًا، أما أنت فأنت قليل الحياء، أنت الذي لا تخاف من الله ولا تستحي مني، تنقل الكلام وتأتي به إلي، لماذا تنقله، ما هدفك من نقله، تريد تتقرب إلي، تتزلف إلي، أنت تسيء إلي ولا تحسن، عندما تقول له هذا الكلام لا ينقل لك نميمة إلى يوم القيامة؛ لأن بعض الناس بالعكس إذا جاءه شخص نمام قال: ماذا تقول؟ نعم.
صحيح، حسنًا من كان معكم في المجلس؟ قال: فلان، قال: كانوا معك وما أخبروني ولم يخبرني أحد إلا أنت، والله أنت الصديق الصادق يا فلان يعني: نبكيك والله! شاهد الرفقة الذين ما أتوني بالكلام وما أخبروني، وهم يأكلون كل يوم على سفرتي ويقولون: إنهم صادقون وأنهم أصدقاء، ما أتاني إلا أنت، فمدحه ونفخه، ثم رأسًا يذهب في اليوم الثاني فيخترع له عشر كذبات، من أجل أن يمدح أكثر، لكن لو أنه وبخه وقمعه ورده من أول يوم لا يكذب ولا ينم أبدًا.
ثالثًا: ينبغي ألا تتصرف أي تصرف بناءً على هذه النميمة ولا تحمل في قلبك لأخيك أي شيء، ولا تحمل حقدًا له، ولا يغير من قلبك تجاه ذاك الذي قال عنه أي شيء؛ لأنك إن غيرت من قلبك أو كرهته أو بغضته أو حلفت عليه أو نظرت إليه نظرة امتهان أو احتقار دل على أنك تأثرت بنميمة هذا.
الرابع: ألا يحملك هذا الكلام أو النقل على التأكد، فتقول: والله أنا سأتأكد وتذهب تنشد فلانًا وتنشد فلانًا وتذهب تتجسس على الناس من أجل أن يتأكد لك أن فلان قال، لا.
هذا كله من واجبك أمام النميمة؛ لأنه إن صدقتها فقد رديت الآية الكريمة، يقول الله ﷿: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ﴾ [الحجرات:٦] .
فلا ينبغي لك -أيها المسلم- أن تكون نمامًا أو أن تقبل كلامًا من نمام، بل عليك أن تكون مهما سمعت من الناس ماذا تقول؟ إذا سمعت في مجلس من المجالس شخصًا يتكلم في شخص آخر، لا تسكت تقول: يا أخي! اتركه، يا أخي! لا يجوز لك أن تتكلم في غيبة أخيك المسلم، والله ما عرفنا عليه إلا الخير، إذا كان بينك وبينه شيء يا أخي! فالواجب أنك تناصحه في وجهه، إن كنت ناصحًا له، أو يا أخي! لا تأكل لحمه، أما أن تأكل لحمه وتحضر لنا من لحمه أيضًا وتشركنا في الأكل فلا يجوز؛ لأن السامع شريك المغتاب ما لم ينهاه، والله يقول: ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات:١٢] لا يجوز لك أن تسمع كلامًا في مسلمٍ وأنت جالس، تستحي منه أو تستحي من الله، تخاف منه ولا تخاف من الله، بل عليك أن ترده وقد يتضايق بعض الناس، وبعض الناس إذا قلت له: قف يا أخي! لا تأكل لحم الناس يتضايق ولا يريدك أن توقفه، لكنه يوم القيامة يحمدك ويثني عليك، ويشكرك ويقول: جزاك الله خيرًا في تلك اللحظة في ذلك اليوم الذي سمعتني فيه أغتاب فلانًا، لقد والله أوقفتني عن الشر، لكن أن تسكت وتجامله خاصة عندما يكون كبيرًا، أو مسئولًا أو أعلى منك مستوى، فإنك تجامله على حساب معصية الله، لا.
عليك أن تراعي الله ﵎ ولو غضب الناس، واعلم بأن من رد عن عرض أخيه المسلم في الدنيا رد الله عن عرضه في الدنيا والآخرة.
1 / 6
انتشار النميمة بين طلبة العلم
مسألة النميمة ينبغي أن ننتبه منها، فإنها -أيها الإخوة- بضاعة الناس في هذا الزمن خصوصًا الطيبون، وطلبة العلم المشتغلون بكتب العلم والحديث يعني: استطاع الشيطان أن يبيع عليهم هذه السلعة، لما يئس منهم أن يبيع عليهم الأغاني، أو النظر الحرام إلى النساء، أو النظر إلى الأفلام، أو الكذب، باع عليهم سلعة وهي سلعة الغيبة والنميمة؛ لأن الشيطان عنده بضائع كثيرة وقد وزعها، وزع كل صنف على ما يناسبه، وقد ذكرها الإمام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين، ذكر كثيرًا من هذه الأصناف ومن ضمنها قال: إنه باع الكيد على النساء؛ لأن النساء يقول الله فيهن: ﴿إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ [يوسف:٢٨] كيد المرأة أعظم من كيد الرجل، وأعظم من كيد الشيطان الذي سماه الله فقال: ﴿إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ [النساء:٧٦] ولكن كيد المرأة عظيم جدًا، كيدها ومكرها وحقدها كبير جدًا جدًا، وباع الكبر والغطرسة والخيلاء على المسئولين، ينفخ فيهم بالكبرياء، وباع الكذب على أهل الحرف، أي: الصناعين، لا يوجد صنايعي صادق إلا من شاء الله، لابد أن يكذب سواء كهربائي أو نجار أو حداد أو سباك، أي عمل تطلبه منه يعرف أنه لا يستغرق أكثر من أسبوعين.
كما قيل: إن أحد السلف ذهب بنعله إلى إسكافي -يعني: صانع الأحذية- فوضعها عنده وأهملها وكان يعمل غيرها لكثرة عمله، وكان كلما شاهد الشيخ أخذ الحذاء ووضعها في الماء من أجل أن تتنقع يضع المسامير، فإذا ذهب الشيخ ردها، جاء مرة ثانية وثالثة ورابعة ثم جاء في يوم من الأيام فقال: يا أخي! إنما أعطيتك حذائي لتصلحه لا لتعلمه السباحة كلما أتيتك وضعته في الماء.
فالكذب سلعة ووظيفة باعها الشيطان على أهل الحرف إلا ما شاء الله ﷿.
وأيضًا باع الغيبة والنميمة كما يقول الغزالي على طلبة العلم، ما في مجلسهم إلا فلان ماذا قال، وخاصة لحوم العلماء، يأكلون فيها أكلًا بشراهة، وهذه مصيبة جدًا؛ لأن أحد السلف يقول: إياكم ولحوم العلماء فإن لحومهم مسمومة، وعادة الله في الذين ينالون منهم معلومة، لا يوجد شخص استحل أعراض العلماء إلا دمره الله ﷿ في الدنيا والآخرة، ويذكر العلماء قصصًا كثيرة عن أناس كانوا فاكهتهم لحوم العلماء، يتصيدون عثرات العلماء، العلماء بشر، ليسوا بمعصومين، يقع منهم ما يقع من البشر يخطئون ويصيبون ولكن هم واجهة الدين، هم شعار الإسلام هم الممثلون لهذا الدين، فإذا أخذوا في أعراضهم والنيل منهم وأسقط من عرضهم، وتتبعت عثراتهم، وشوهت صورهم، وزعزعت مكانتهم في قلوب الناس زعزع الدين، فإذا زعزعت مكانتهم فمن يمثل الدين؟ المغنون والمطربون؟! لا يوجد ممثل للدين إلا العالم، والعالم بشر لا ندعي فيه العصمة ولا نعذره في الخطأ ولكن نستغفر الله له ونطلب منه أن يأخذ سبب الحيطة، لكن إذا وقع منه خطأ، نشهر به، ونتكلم عنه في كل مجلس؟! لا يجوز له حصانة اسمها الحصانة الدينية، حصانة إيمانية، لا ينبغي أن يدور على لسانك اسم عالم، الناس اليوم يتفكهون بلحوم العلماء، بل يقلدون أصواتهم وخطبهم وأصوات الأئمة ويقلدون أصوات بعض المؤذنين، ويقف أحدهم في المجلس كأنه يخطب على لسان أحد الناس، وأولئك يضحكون ويقهقهون، ويحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم.
فعلى المسلم طالب العلم الموفق المهتدي أن ينتبه لهذا الأمر، وألا يدور على لسانه أي كلمة من كلمات الغيبة والنميمة وإذا وقع منه شيءٌ فليستغفر الله وليتب إلى الله ﷿.
1 / 7
ترك الاستنزاه من البول
أما السبب الثاني من أسباب عذاب القبر: ترك الاستنزاه من البول، يقول علي وقد مر على المقبرة قال: [إن هذه القبور ظاهرها تراب، وباطنها حسراتٌ أو نعيم أو عذاب] ظاهر القبور سواء، لكن لا تعلم ماذا يدور داخلها، وأكثر عذاب أهل القبور من عدم الاستنزاه من البول؛ لأن الإنسان يكون مستعجلًا أو عنده عمل، فما أن ينقطع البول حتى يقوم دون أن يستنزه، وهذه مصيبة، والشيطان استغل هذه المسألة وتجاوز بها الحد عند كثيرٍ من الناس، ووقف بها دون الحد عند الكثير، الدين وسط، لا إفراط ولا تفريط؛ لأن الدين كما يقول الله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا﴾ [البقرة:١٤٣] وابن القيم يقول: إن الشيطان يأتي إلى الإنسان فيشم قلبه، فإن رأى فيه قوة دين، يوسوس له حتى يخرجه من الدين، وإن رأى فيه لينًا وضعفًا قصر حتى لا يصل إلى الدين الصحيح، فإذا شاهد الشيطان في قلب الإنسان قوة دين وحرص لا يزال يوسوس له حتى يخرجه بالغلو والتنطع إلى خارج الدين، وإذا شاهد عنده ضعف ولين وخور وقلة احتراز فإنه يقصره وحتى لا يصل إلى الدين، ولا يصل إلى الدين الحقيقي إلا أهل الإيمان والاعتدال، كيف؟ يخرج الإنسان إلى الخلاء ويقضي حاجته حتى ينقطع البول، ثم بعد ذلك يمر يده هكذا على العضو، إمرارًا بسيطًا ويسمونه في الفقه سلس، دون نترٍ؛ لأن النتر كرهه أهل العلم؛ لأنه يؤدي إلى تمزق في الأعضاء، سلس خفيف ثم بعد ذلك يستنجي، وإذا فرغ يأخذ حفنة من الماء وينضح بها سرواله، حتى إذا قام ليصلي ووجد بللًا في ثوبه أرجع ذلك إلى الماء الذي نضحه، حتى لا يلعب عليه الشيطان، فإن الشيطان يأتي إلى بين فخذي الإنسان إما من دبره فيغمز على عرقٍ صغير فيوهم الإنسان أنه أحدث، فالنبي ﷺ قال: (لا ينصرف من صلاته حتى يجد ريحًا أو يسمع صوتًا) ما لم تجد ريحًا أو تسمع صوتًا لا تخرج هذه من الشيطان؛ لأنه يغمز على عرق في الدبر، فهذا العرق يوهمك أنه خرج شيء، وهو ما خرج شيء، لا يمكن أن يخرج شيء إلا بعلمك، لكن هذه من الشيطان نزغة، أو يأتي إلى بين سبيلي الإنسان فيشعره ببرودة فيحس الإنسان ببلل وعرق، ويتصور الشخص أن هذا البلل من البول، فأنت تقطع دابر الشيطان وتقطع وسواسه بنضح الماء، أما ما يصنعه الموسوسون من النتر ومن القفز ومن الحبل، يربط الحبل بالسقف ويتسلق إلى أن يصل إلى أعلى، فإذا هو فوق انفلت يقول: من أجل إذا اهتززت ينزل كل شيء، هذا كله ليس من دين الله ﷿، وإنما من وساوس الشيطان.
وما يفعله -أيضًا- المتساهلون بمجرد أن يكمل وإذا به يقوم مباشرة ويذهب هذا كله خطأ، والصحيح أن تفعل ما ذكرنا حتى تستنزه من البول وتبرأ إلى الله ﷿ من هذا الأمر.
روى النسائي عن عائشة ﵂ قالت: (دخلت عليّ امرأة من اليهود فقالت: إن عذاب القبر من البول) هكذا عندهم في اليهودية وهو من العلم الذي لم يُحرف، مثلما تسمعون الآن وما سمعتم في الماضي، (فقالت: - عائشة - كذبت) هذا القول يبين صفة من صفات الصحابة وهي وحدة التلقي، ما كانوا يتلقون إلا من الله ورسوله فقط، حتى ولو شيئًا صحيحًا يأتي من طريق اليهود يقولون: كذبتم لا نريد إلا أن يصدقه رسول الله ﷺ، إذا صدقه رسول الله أصبح من ديننا ليس من دين اليهود، قالت: (كذبت.
قالت: بلى.
إنا لنقرض منه الجلد والثوب) يعني: في دينهم وهو من الآصار التي وقعت عليهم، أن البول إذا وقع في الثوب لا ينظفه الماء، وإنما يقرض -يقطع- الثوب، وإذا وقع البول على الجلد لا يغسله الماء وإنما يسلخ الجلد، ولكن الله رفع عنا هذه الآصار بفضله ورحمته ﴿رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا﴾ [البقرة:٢٨٦] سبحان الله! كان الرجل لا يمكن أن يصلي إلا في معبد مخصص، لكن الله أعطى هذه الأمة كرامات عظيمة جدًا لكرامة رسولها ﷺ، من ضمن ذلك أنه جعلت له الأرض مسجدًا وطهورًا، فأينما أدركت الصلاة فصل، وبأي وجه توجه إلى القبلة، وأيضًا إذا جاء الغائط أو البول في ثوبٍ أو في جسدٍ فإنك تغسله بالماء، ويطهر، كما أمر الله ﷿ وأمر رسوله ﷺ.
قالت: (فخرج رسول الله ﷺ إلى الصلاة وقد ارتفعت أصواتنا قال: ما هذا؟ -عندما سمع الصوت- قالت: فأخبرته فقال ﷺ: صدقت) صدقت اليهودية أن عذاب القبر من البول، قالت: (فما صلى رسول الله ﷺ يومًا إلا قال دبر كل صلاة: اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل أعذني من حر النار وعذاب القبر) رواه النسائي في سننه وذكره صاحب جامع الأصول.
وهذا الذي أشار إليه الحديث أن بني إسرائيل كانوا يقرضون من البول الجلد والثوب وهو من الدين الذي شرعه الله لهم، ولذلك لما نهاهم من نهاهم عن فعل ذلك عذب في قبره لسبب نهيه، ففي حديث عبد الرحمن بن حسنة والحديث رواه أبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجة وابن حبان والحاكم وصححه وأخرجه السيوطي في صحيح الجامع، يقول: إن رسول الله ﷺ قال: (ألم تعلموا ما لقي صاحب بني إسرائيل) رجل كان منهم، جاء إليهم وهم يقرضون الثياب ويسلخون الجلد، فقال لهم: إنما يكفيكم الغسل، أبطل عليهم هذا الأمر، ونهاهم عن القرض، فعذب في قبره إلى يوم القيامة؛ لأنه أبطل شيئًا من دين الله وليس بنبي يوحى إليه.
وقد أخبر الرسول ﷺ: أن عامة عذاب القبر من البول، فقد روى أنس ﵁ عن رسول الله ﷺ قال (تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه) ورواه ابن عباس بلفظٍ آخر: (عامة عذاب القبر من البول، فتنزهوا منه) ورواه أبو هريرة بطريق آخر ولفظٍ آخر: (أكثر عذاب القبر من البول) وهذا الحديث صححه الشيخ ناصر الدين الألباني في إرواء الغليل وقال: حديث صحيح.
هذه الأحاديث في مجملها وفي مجموعها تعطي لنا تصورًا أن كثيرًا من الناس يتساهلون بموضوع الطهارة من البول، ولذا فإنهم يعذبون في قبورهم كما جاء في الحديث: (إن عامة) يعني: إن أكثر عذاب القبر إنما يكون من هذا الأمر -نعوذ بالله وإياكم من ذلك-.
هذان سببان من أسباب عذاب القبر، نقف عندهما هذه الليلة ونذكر البقية على سبيل الإجمال.
1 / 8
من أسباب عذاب القبر
السبب الثالث: الغلول وهو: أخذ شيء من بيت مال المسلمين.
والسبب الرابع: الكذب.
والسبب الخامس: هجر القرآن، يعني: عدم تلاوته.
السبب السادس: الزنا.
السبب السابع: الربا.
هذه السبعة الذنوب: النميمة، عدم الاستبراء من البول، الغلول، الكذب، هجر القرآن، الزنا، الربا، هذا في التفصيل أما في الإجمال فكثير، لكن بالتفصيل من وقع في هذا يعذب في قبره -نعوذ بالله وإياكم من ذلك- وسوف نتحدث بالتفصيل بإذن الله عن هذه في الندوات المقبلة، ونسأل الله الذي لا إله إلا هو أن ينجينا وإياكم من عذابه وأن يجعلنا وإياكم من أوليائه ومن عباده الصالحين إنه على كل شيء قدير، والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه وسلم.
1 / 9
الأسئلة
1 / 10
حكم استقدام العمال غير المسلمين إلى جزيرة العرب
السؤال
أخبرني بعض الإخوة أن لديهم سائق سيارة ولكنه مسيحي، فهل ندعه يسكن معنا وهل يأكل معنا أم لا؟
الجواب
أولًا مسألة كلمة مسيحي يقول العلماء: لا يجوز إطلاقها على النصارى؛ لأنهم ينتسبون إلى المسيح والمسيح منهم براء؛ لأنهم يدعون أنه ابن الله وهو يعرف أنه عبد الله ورسوله، فلا يجوز نسبة هؤلاء النصارى الموجودين في الأرض إلى المسيح ﵇ فنقول لهم: مسيحيين، لا.
نسميهم كما سماهم الله نصارى؛ ولأن كلمة مسيحي فيها نوع من التخفيف، لما تقول لفلان نصراني شيء تنفر منه النفوس، أعوذ بالله نصراني، لكن عندما تقول: مسيحي يعني: كأنك تمسح عليه، كأنك تحببه للناس، لا ليس مسيحيًا، وبعض العلماء يقول: سموهم مسيخيين يعني: إذا عيوا إلا أن يضعوا أنفسهم مسيحيين، نضع فوق الحاء نقطة من أجل أن نبعدهم من نسبتهم إلى المسيح ونجعلهم كما هم مسيخ أو مسيخيين -والعياذ بالله- هذا الأولى.
الثانية: مسألة السائق؛ السائق مشكلة المشاكل وعقدة العقد على الأسر المسلمة، وهو مما جرت عليه العادات والتقاليد وحب الظهور حتى أصبح الرجل لا ينبسط ولا يشعر بأنه له مكانة في المجتمع إلا إذا استورد له سائقًا يسوق به وبزوجاته وببناته ويذهب بهم المدرسة وإلى المستشفى وإلى السوق وكأنه محرمٌ لهم، هذا منكرٌ كبير لا يجوز في الشرع؛ لأن هذا من أخطر المخاطر على الأُسر، المرأة أخطر شيءٍ عليها مثل هذه الأشياء، إذا ركبت مع رجل لا تحل له وذهب بها إلى السوق وإلى المدرسة وإلى المعرض وإلى المستشفى، وهذا لا يجوز، إذا اضطررت إلى سائق لك أنت أو لعملٍ عندك فليكن في بيت مستقل لا يدخل بيتك أبدًا في أي حالٍ من الأحوال، ولا يركب مع أهلك أبدًا، ولا يعرف لهم اسمًا ولا صورة ولا صوتًا، أما أن يركبهم ويذهب بهم ويسوق بهم، حتى ولو كنت معهم، لا.
لا يجوز أبدًا في أي حالٍ من الأحوال، هذا إذا كان السائق مسلمًا، أما إذا كان نصرانيًا فإن استقدام النصارى للعيش في جزيرة العرب محرم، وقد نصت هيئة كبار العلماء على تحريم ذلك، وقالوا: إن رسول الله ﷺ قد أمر بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب، فأي مسلم يستقدم عمالًا، أو سائقين أو خياطين أو نجارين أو فنيين أو صنايعيين وهم كفار ونصارى هذه مصيبة، ويحرم عليه، والأولى والأنكى من ذلك أنك عندما تأتي عند شخص تقول له: لماذا تأتي بنصراني؟ قال: يا شيخ! أفضل من المسلمين، يقول: والله أنا آتي بالفلبيني أفضل من الباكستاني، وأفضل من الأندنوسي، لا إله إلا الله! الكافر أفضل؟ والله إن أظفر المسلم الأندنوسي أو قدمه أو إصبعه أفضل والله من ألف مليون من هؤلاء الكفار، أفضل عندك أنه يكذب ويدجل عليك ويعطيك عملًا ممتاز يخدعك به من أجل أن يملي عليك دينه، ويملي عليك مبدأه ويأخذ أموالك، وتبيع دينك بعرض من الدنيا، لا إله إلا الله! أما سمعت أن الله يقول: ﴿وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا﴾ [النساء:٥٠] هذه مصيبة فلا ينبغي لك، وإذا كان عندك عمال كفار يهود أو نصارى على طول خروج بلا عودة، وإذا احتجت إلى عامل -يا أخي- فالأمة الإسلامية ما أقفرت ولا أفلست، المسلمون بحاجة -يا أخي- إذا أتيت بأحد من بلاد المسلمين تأتي بأندنوسي مسلم أو فلسطيني مسلم أو أردني مسلم أو من أي بلاد المسلمين ليأكل معك عيشًا، ويأخذ منك راتبًا، ويتقوى في ذاته، ويتقوى في أهله وفي بلده، ويبني له بيتًا، ويشتري له سيارة، أفضل من أن تأتي بنصراني يأخذ راتبك ودمك ويذهب يحارب دينك، ويبني كنيسة لينشر دينه من عرقك، فتكون أنت داعية إلى النصرانية وأنت لا تعلم شيئًا، من أجل أنه يلمع لك السيارة ويجعلها لك نظيفة وتقول: إن النصراني أفضل، هذه مصيبة فلا يجوز أكله ولا شربه ولا دخوله ولا استئجاره ولا وجوده في جزيرة العرب كلها، لا حول ولا قوة إلا بالله!!
1 / 11
حكم صلاة المرأة وشعرها مكشوف
السؤال
ما حكم صلاة المرأة وشعرها مكشوف؟
الجواب
لا يحل للمرأة أن تكشف شعرها أثناء الصلاة فإنها عورة حتى أظافرها وحتى ظهور قدميها، لا يجوز أن يبدو من المرأة شيء في صلاتها إلا وجهها، المرأة كلها عورة، بعض النساء تأتي وسيقانها وأرجلها مكشوفة وشعرها مكشوف وتصلي، وأيديها مكشوفة لا يجوز، يجب أن يكون لها جلباب وكساء كبير يغطي جسمها كله، ولا يبدو منها إلا تفاصيل وجهها فقط، أما أرجلها وجميع أجزاء جسمها ظاهرًا أو باطنًا لا يجوز، فلا يجوز لها ذلك، وكذلك كفيها.
1 / 12
كيفية زيارة القبور
السؤال
إذا أراد شخص أن يزور قريبًا له مات فكيف تكون الزيارة، وإذا حدد يومًا لزيارته فهل هذا مباح؟
الجواب
إذا كانت الزيارة داخل البلد، فإنه مأمور بها ومشروعة، أما أن يشد الرحل ويركب سيارة لزيارة قبر فلا يجوز، ولكن إذا كان الميت القريب في بلده الذي يقيم فيه فإنه يشرع له ويسن في حقه أن يذهب إلى زيارة القبر، ويقف على طرف المقبرة أو قريبًا من القبر ويسلم: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، اللهم اغفر لهم، يدعو له ويدعو لمن معه من المسلمين، لكن لا يدعوهم وإنما يدعو لهم، هذه هي الزيارة الشرعية.
1 / 13
المدة التي يقصر فيها المسافر
السؤال
طالب في الجامعة وأهله على بعد أربعمائة كيلو متر، ويمكث في أبها أسبوعين يدرس، هل يجوز له قصر الصلاة في وقت إقامته في أبها؟
الجواب
لا يجوز له ذلك؛ لأنه من يوم جاء أبها وحدد إقامته بأن يجلس في أبها سنة دراسية أصبح من واجبه أن يقيم الصلاة ويتمها مع الناس وانقطع عنه حكم السفر، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الفتاوى في الجزء الثاني والعشرين في ص١٧، يقول: إن للعلماء أقوال كثيرة في مسألة القصر والجمع، ولكن جاء بالزبدة وهي أنه إذا حدد المسلم إقامته في بلدٍ بأكثر من أربعة أيام فإنه يتم ولا يقصر، إذا كان مكثه أقل من أربعة أيام فإنه يقصر إذا صلى لوحده، ويتم إذا صلى مع الناس، لكن إذا لم يحدد وجاء إلى أبها وليس عنده علم متى ينتهي، يعني: أمره ليس في يده، منتدب في مهمة وقال له: اجلس في أبها حتى يأتيك خبر فتأتي، أسبوع أسبوعين ثلاثة، فإنه إذا صلى لوحده أو مع جماعة هو إمامهم يقصر ولو جلس سنة، ما دام ما حدد ولا يدري متى يرجع، أما إذا صلى مع الناس فإنه يتم ولو لم يمكث إلا يومًا، هذه خلاصة أحكام السفر بالنسبة للقصر.
1 / 14
قصة الساحر الذي سحر النبي ﵌
السؤال
أرجو إبلاغنا عن الذي سحر النبي ﷺ وما قصته؟
الجواب
الذي سحر النبي هو: لبيد بن الأعصم اليهودي، عليه من الله ما يستحق.
في الصحيحين من حديث عائشة ﵂ قالت: (سحر رسول الله ﷺ حتى إنه كان يخيل إليه أنه يأتي نساءه ولم يأتهن) وذلك أشد ما يكون من السحر؛ والسحر في حقيقته مرض عارض للإنسان ويجوز على النبي ﷺ مثلما يجوز على غيره من البشر، فإن الرسول بحكم أنه بشر معرضٌ لكل ما يتعرض له البشر، من الجوع والعطش والسحر والمرض والحر والبرد، لكن هذا لا يتعدى إلى الرسالة؛ لأن الرسالة العصمة فيها قائمة، انعقد إجماع الأمة على أنه معصومٌ فيما يبلغ عن الله ﷿، صلوات الله وسلامه عليه، والذي سحره هو: لبيد بن الأعصم كما ذكرت وسحره في مشطٍ ومشاطة وجف طلعة، -يعني: غلاف الشجر- أخذه من مشاط النبي ﷺ وجعل فيها سحرًا وجعلها في بئرٍ مهجورة يلقي فيها النساء القاذورات، ولكن أبطل الله هذا السحر بأن أنزل الله ملكين من الملائكة جلس أحدهما عند رأسه والآخر عند قدمه، قال: ألا تعلم ما به؟ قال: لا.
قال: إنه مطبوب -يعني: مسحور- قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، قال: فيم؟ قال: في مشطٍ ومشاطة وجف طلعة، قال: أين؟ قال: في بئر مهجورة اسمها بئر راعونة، فأرسل ﷺ عليًا وعمار بن ياسر أو المقداد بن المقداد إلى المكان وجاءوا بهذا وأحرقه وأبطله ﷺ.
وعلاج السحر إما بإبطاله في موطنه، أو بإخراجه والقضاء عليه نفسه إن سهل العثور على السحر نفسه، مثلما فعل النبي ﷺ فهو أفضل، وإن لم يسهل يعني: كان السحر في مكانٍ لم يعرف ولم يهتد إليه فإنه يبطل عن طريق الرقية الشرعية، بقراءة سبع آيات من القرآن ذكرها أهل العلم تقرأ مع آية الكرسي على المسحور أو تقرأ في ماءٍ يغتسل به المسحور مرةً ومرة ويعاد ويكرر حتى يبطل الله السحر؛ لأن الله يقول: ﴿قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ * وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ [يونس:٨١-٨٢] وقال ﷿: ﴿إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى﴾ [طه:٦٩] .
1 / 15
أفضلية الصلاة في المسجد الذي فيه المصلون كُثُر
السؤال
عندنا مسجد في سكن الكلية لا يصلي فيه إلا عدد قليل، ولا يتجاوزون في بعض الأوقات العشرة، فهل أصلي فيه أم أذهب إلى مسجد آخر؟
الجواب
فعل الصلاة في المسجد الأكثر جماعة أفضل، لحديث في مسند أحمد: (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاة الرجل لوحده، وصلاة الرجل مع الرجلين أزكى من الصلاة الرجل مع الرجل، وصلاة الرجل مع ثلاثة أكثر، وكلما كان أكثر كان أحب إلى الله ﷿ وإذا تساويا في الجماعة، يعني هذا المسجد فيه خمسون وذاك خمسون، ففعلها في المسجد القديم الذي أخذ أهلية أكبر وأقدمية في العبادة أكبر أفضل، فإن لم يتساويا، فهل الأفضل في الأبعد أو الأقرب؟ هناك روايتان عن الإمام أحمد ﵀: الأولى أن الأبعد أفضل، لكثرة الخطا، لحديث: (ما من مسلمٍ يتوضأ في بيته ثم يحسن الوضوء ثم يخرج من المسجد لا يخرجه إلا الصلاة إلا لم يخط خطوة إلا كتب الله له بها حسنة ورفع له درجة وحط عنه خطيئة) ولهذا كان السلف إذا خرجوا إلى المساجد يقاربون بين خطاهم، وكانوا يعرفون أن أبعد الناس منزلة من المسجد هو أكثرهم أجرًا.
ويقول بعض أهل العلم: إن من يأتي إلى المسجد على سيارته أنه ينال هذا الأجر إن شاء الله، وإن كان أجر الماشي أفضل، لكن إذا كان يمشي على سيارته، فإنه لا يحرم من الأجر؛ لأن السيارة فيها مئونة وفيها كلفة، فلا يلف إطار السيارة إلا بمئونة وبنزين وتحريك وتعمية ففيها أجر إن شاء الله، لكنه لا يعدل أجر من يمشي؛ لأن الخطا كما جاء في الحديث لبني سلمة لما رأوا أنهم يبتنون بيتًا عند مسجد النبي ﷺ قال: (لا يا بني سلمة! دياركم دياركم تكتب آثاركم) والرجل الذي كان يأتي إلى مسجد النبي ﷺ وكان بيته يبعد عن المسجد أربعة كيلو ذهاب وأربعة كيلو مجيء، فكان يأتي في الصباح ولا يرجع إلا مع الظهيرة، ويأتي يصلي الظهر ويعود في العصر وطوال يومه يصلي تراويح في هذا المسجد، فقيل له: (ألا تتخذ لك حمارًا تركبه في الظلماء والرمضاء؟ قال: إني أحتسب خطاي على الله فسمعه النبي ﷺ فقال: قد كتب الله لك ذلك) كتب الله له خطاه إلى المسجد.
وفي الحديث الصحيح يقول ﵊: (ألا أدلكم على ما يرفع الله به الدرجات ويمحو به السيئات؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: إسباغ الوضوء على المكاره -يعني مثل هذا الوقت أيام البرد- وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط) .
1 / 16
كفارة اليمين
السؤال
ما هي كفارة اليمين؟
الجواب
اليمين ثلاثة أقسام: يمينٌ معقدة، ويمينٌ غموس، ويمينٌ لاغية، فاليمين اللاغية هي قول الرجل كما قالت عائشة والحديث في صحيح البخاري: (هي قول الرجل: بلى والله، لا والله، خذ والله، قل والله) هذا لغو ليس فيه كفارة لكن الإنسان يأثم إذا استمر عليه، يقول الله: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ [البقرة:٢٢٥] قال العلماء: لا يؤاخذكم بأن يلزمكم بكفارة، وإلا من حيث كونكم تتلاعبون، فقال الله: ﴿وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ﴾ [البقرة:٢٢٤] وفي آية أخرى: ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ [المائدة:٨٩] فينبغي للمسلم أن يحفظ يمينه، لكن لو قالها من غير احترازٍ فلا كفارة عليه.
واليمين اللاغية -أيضًا- منها أن تحلف على شيء وأنت تعلم ومتأكد أنه هو ثم يظمر غيره، كأن يقول لك شخص: معك مائة ريال؟ وأنت تذكر أنه ليس في جيبك شيء، فتقول: والله ما عندي، وبعدما ذهب فتحت الشنطة وإذا بك تجد فيها مالًا، فأنت حلفت على ما كنت تتصور أنه حق ولكن بان لك غيره فلا شيء عليك ولا كفارة، هذه يسمونها يمين اللغو.
اليمين الثانية: وهي يمين الغموس وهو: أن يحلف الإنسان على شيء يعرفه وهو كاذب، يعني: يحلف وهو كاذب وسميت غموس؛ لأنها تغمس صاحبها في النار -أعاذنا الله وإياكم من اليمين الغموس-.
الثالثة: يمين معقدة، وهي التي يعقد الإنسان يمينه بالله ﷿ على شيء يعمله في المستقبل أو ألا يعمله في الماضي هذه فيها كفارة إذا حلف فيها، إذا كانت بالله ﷿ والكفارة على التخيير بين ثلاثة: عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، والناس اليوم يذهبون للصيام مباشرة، وهذا خطأ، بعض الناس يقول: أصوم ثلاثة أيام، لا.
الصوم للذي لا يجد عتقًا ولا إطعامًا ولا كسوة، أما من يجد عتقًا أو إطعامًا أو كسوةً فلا يجوز له أن ينتقل إلى الصيام إلا بعد العجز عن الثلاث، فهي على التخيير في الثلاث وعلى الترتيب في الرابعة، والإطعام حدده العلماء بكيلو ونصف بر أو رز لكل فقير، وهذه موجودة في الأسواق -القطمة الصغيرة- كيس الرز، هذه تجزئ عن خمسة وزيادة، فإذا حنث الإنسان في يمين فإنه يأتي بحديث النبي ﷺ: (من حلف على يمين ثم رأى غيرها أفضل منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه) كأن تكون حلفت أنك لا تزور أخاك أو لا تدخل على رحمك، أو لا تصل فلانًا، هذا لا يجوز فعليك إذا حلفت بالله أنك تكفر وتفعل الذي فيه الخير؛ لأن الصلة خيرٌ من القطيعة، فتطعم عشرة مساكين، تأخذ قطمتين أرز وتجعل هاتين القطمتين في بيتين في كل بيت خمسة أفراد فما فوق، أي: بحيث لا يقل عن عشرة، ولا يجزئ النقد كما يقول العلماء؛ لأن الله قال في القرآن إطعامًا، والمال ليس بطعام، بدليل أن لو عندك كيس ورق وما عندك بر ولا رز ولا لحم ما أكلتها، تأكل ورق؟ لا.
والإسلام يأمرك أن تخرج مما عليه قوت البشر وضرورة البشر أما المال كماليات، لكن افرض عندك مال وما عندك حب، مثل القصة لكن القصة طويلة لا آتي بها الآن فالوقت ضيق والأسئلة كثيرة.
1 / 17
حكم التوبة من الذنب ثم الرجوع إليه
السؤال
ما حكم من يكون في أي درس أو محاضرة ويقول: لن أعود إلى الذنب، فإذا خرج من الدرس أو المحاضرة عاد لما كان يفعل، هل له توبة؟
الجواب
نعم.
له توبة، ولكن يجب أن يكون صادقًاُ مع الله لا يستهزئ ولا يلعب على نفسه، فقد يحضر الندوة ويلين قلبه ويعقد على التوبة ثم يرتكب المعصية ويموت ولا يتوب إلى الله ﷿، لا.
اعتصم بالله يا أخي! وتب؛ لأن التوبة لا يمنعك منها أحد.
1 / 18
حكم إقامة جماعة ثانية قبل انتهاء الأولى
السؤال
يقول: أرى كثيرًا من الناس المتأخرين عن الصلاة يقومون بإقامة الصلاة والبدء في الصلاة والإمام لا زال في صلاته والمأمومون في التشهد الأخير فهل يجوز لهم ذلك؟
الجواب
لا يجوز لهم ذلك، لا يجوز أن تقام صلاتين في آن واحد، إذا دخلت المسجد ووجدت أن الإمام في آخر الصلاة فأنت بالخيار بين أن تدخل معه أو أن تنتظر حتى ينصرف، ثم تقيم الصلاة إذا كانت هناك جماعة جديدة، والعلماء اختلفوا في الأفضل، والصحيح أن الأفضل أن تبدأ صلاة جديدة إذا كانت معك جماعة جديدة، أما إذا كنت لوحدك فادخل في الجماعة الأخيرة لعل الله أن يكسبك أجرها، ولكن يشترط أن تبقى واقفًا حتى يسلم الإمام، أما أن تقيم الصلاة وتبدأ الصلاة والإمام لا زال في الصلاة فهذا لا يجوز.
1 / 19
حكم الحلف بالأمانة سهوًا أو نسيانًا
السؤال
تعودت على الحلف بالأمانة دون علمٍ مني بحرمة ذلك، وبعد ذلك عرفت أنها حرام فتركتها، ولكني أقولها سهوًا أو نسيانًا فهل ذلك حرام؟
الجواب
نعم حرام، إذا تعودت على الحلف بالأمانة فتب إلى الله منها وإذا وقعت فيها فاستغفر الله وقل: لا إله إلا الله بعدها، وحاول أن تعود نفسك على أن لا تحلف بالأمانة لحديث: (من حلف بالأمانة فليس منا) .
1 / 20