ولما كبر أردشير، وبدت عليه آثار الرشد، حكوا لآردوان عن مخايل رشده ونجابته، فطلبه من بابك، فأرسله بابك إلى آردوان ورباه آردوان مع أولاده، وعلمه أصول الشجاعة والفروسية، وذات يوم مضى أردشير مع أبناء آردوان للصيد، ومضى آردوان أمامهم وهو متخف ليعرف حالهم، ولما رأى أن أردشير متفوق على أبنائه فى كل فضيلة، دب دبيب الغيرة منه فى نفسه، وقال: إن أباك عامل لا أكثر، لذلك لا توافقك رسوم الملك وأصوله وقد أمرت أن تكون آخر قائد لى حتى تقوم بهذا العمل، فتقلد أردشير هذا العمل خوفا على حياته، وذات يوم كان جالسا فى البلاط فمرت عليه جارية من سرارى آردوان فوقع نظرها عليه وفتنت به، فاستجاب أردشير لدعوتها متلطفا، وكلما كانت الفرصة مواتية كانت تقع متعة الوصال، وكانت تخبره بخفايا أسرار آردوان حتى وصل خبر وفاة بابك، فحزن أردشير وطلب من آردوان أن يرسله إلى ولايته وأن يلزمه هذا العمل، ولكن آردوان لم يستجب، ووكل هذا العمل إلى ابنه الأكبر، وأرسله إلى تلك الناحية، فيئس أردشير حتى جاءت الجارية، وقالت: لقد رأى آردوان البارحة رؤيا وأحضر المنجمين اليوم للتأكد من كلامى وسألهم فقالوا: إنه وقت انتقال الملك لك، وسوف يسلبون هذه الدولة وستصل إلى شخص آخر. وستولى عنك فى هذا الأسبوع. ولما سمع أردشير هذا الكلام جعل يفكر، وعادت الجارية، وهيأ أردشير أسباب الرحيل، ولما عادت الجارية، قال أردشير: أريد أن أذهب وإذا أردت مصاحبتى فذاك يسعدنى، فوافقته الجارية، وركبا جيادا سراعا كالريح ومضيا، ولما بلغ الخبر آردوان ندم على غفلته، ولكن الندم لم يجد نفعا.
ولما وصل أردشير إلى إصطخر فارس، دخل المدينة، وقبض على جماعة من المقربين لأبيه وبايعوه، وأدخلوا قوما كثيرا فى طاعته، وأبدوا استعدادا عظيما، وثاروا عليه فجأة وقتلوا ابن آردوان، حارب أردشير آردوان وقتله، وقهر ملوك الطوائف الآخرين، ويقال: إنه واحد من جملة الملوك الذين ملكوا الدنيا بأسرها.
حكاية:
لما قتل أردشير آردوان طلب يد ابنته وكان لآردوان أربعة أبناء قتل منهما اثنين وهرب اثنان، ومضيا إلى الهند، وأرسلا من هناك السم إلى أختهما لتدسه إلى أردشير، وعاد أردشير من الصيد ذات يوم، فقدمت له هذه البنت قدحا من الشراب، ولما أخذه أردشير سقط من يده، فتغيرت البنت، فساور أردشير الشك فأمر بإعطاء هذا الشراب إلى الطيور، فهلكت، فتيقن أردشير من مقصدها، فطلب من الوزير أن يقتلها فى الخفاء، ولما قصد الوزير قتلها قالت له: إنى حاملة من أردشير، فأخبره الوزير ولكن لم يلتفت أردشير لهذا وأمر بالقتل، فخاف الوزير من عاقبة هذا، وأخفى البنت، وخصى نفسه فى نفس ذلك اليوم، ووضعها فى حق وختمها، ومضى لأردشير، وسلمه هذا الحق أمانة، فولدت البنت بعد عدة أشهر ولدا، فسماه الوزير شابور.
صفحه ۶۴