ورأس العقل المعرفة بما يمكن كونه قبل أن يكون
والواجب على العاقل أن يجتنب أشياء ثلاثة فإنها أسرع في إفساد العقل من النار في يبيس العوسج الاستغراق في الضحك وكثرة التمني وسوء التثبت لأن العاقل لا يتكلف مالا يطيق ولا يسعى إلا لما يدرك ولا يعد إلا بما يقدر عَلَيْهِ ولا ينفق إلا بقدر مَا يستفيد ولا يطلب من الجزاء إلا بقدر مَا عنده من الغناء ولا يفرح بما نال إلا بما أجدى عَلَيْهِ نفعه منه ٠
والعاقل يبذل لصديقه نفسه وماله ولمعرفته رفده ومحضره ولعدوه عدله وبره وللعامة بشره وتحيته ولا يستعين إلا بمن يحب أن يظفر بحاجته ولا يحدث إلا من يرى حديثه مغنما إلا أن يغلبه الاضطرار عَلَيْهِ ولا يدعي مَا يحسن من العلم لأن فضائل الرجال ليست مَا ادعوها ولكن مَا نسبها الناس إليهم ولا يبالي مَا فاته من حطام الدنيا مع مَا رزق من الحظ في العقل ٠
أنشدني عَبْد الرحمن بْن مُحَمَّد المقاتلي ... فمن كان ذا عقل ولم يك ذا غنى ... يكون كذي رجل وليست له نعل
ومن كان ذا مال ولم يك ذا حجى ... يكون كذي نعل وليست له رجل ...
قال أَبُو حاتم كفى بالعاقل فضلا وإن عدم المال بأن تصرف مساوى أعماله إلى المحاسن فتجعل البلادة منه حلما والمكر عقلا والهذر بلاغة والحدة ذكاء والعي صمتا والعقوبة تأديبا والجرأة عزما والجبن تأنيا والإسراف جودا والإمساك تقديرا فلا تكاد ترى عاقلا إلا موقرا للرؤساء ناصحا للأقران مواتيا للإخوان متحرزا من الأعداء غير حاسد للأصحاب ولا مخادع للأحباب ولا يتحرش بالأشرار ولا يبخل في الغنى ولا يشره في الفاقه ولا ينقاد للهوى ولا يجمح في الغضب ولا يمرح في الولاية ولا يتمنى مالا يجد ولا يكتنز إذا وجد ولا يدخل في دعوى ولا يشارك في مراء
1 / 23