هذا السلطان، الملك الظاهر ركن الدين أبو الفتح بيبر س بن عبد الله الصالحي النجمي، تركي، برلي الجنس، تنقلت به إلى السعادة همته العالية، ووصلته إلى المواطن الشامية، فاختص بالسلطان الشهيد الملك الصالح نجم الدين أيوب بن الملاك الكامل ناصر الدين محمد بن الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب - رحمهم الله أجمعين ! - وهو الملك الذي فاق الملوك، وسلك في المهابة والعفة أحسن السلوك، ولم يشر قبله ملك حاز ما حاز من الوقار، ولا جمع لغيره ما جمع له من الفخار، ولا احتمی ملك بما احتمی به من الأنصار ؛ تهذب بأخلاقه، وتعلم من شريف أعراقه، واستفاد منه حسن السجايا الملوكية وتعلمها، والتهم المزايا المرضية وتفهمها، وكان فيه استعداد انطبع فيه تلألؤ تلك الأنوار المضيئة، وقبول تلقي عدوی كذا تلك الأخلاق الرضيئة، فسمت إلى ترقي منازل الملك نفسه، وصدق في طلب حياطة الخلائق حدسه؛ وكانت السلطنة في وجه أفعاله تلوح، والفراسة بما سيجعله الله منها تبوح. ولم يزل من أكبر جمدارينه ؟ الخواص، وأوليائه الذين لهم به أعظم اختصاص، حتى انتقال السلطان الشهيد إلى جوار ربه، وخصه الله بشریف تر به، فأقام السلطان الملك الظاهر بين خشداشيته كالشمس بين الكواكب الزاهرة، وكالأسد بين الأشبال الخادرة، يتدرب في غزو الكفار، ويديم الجهاد" آناء الليل، وأطراف النهار، لأن وفاة الشهيد كانت بالمنصورة عندما قصد الفرنج الديار المصرية في سنة سبع وأربعين وستمائة، وذلك في ليلة الاثنين منتصف شعبان من السنة المذكورة ؛ ففعل في الجهاد ما وصلت همته إليه، وجاهد في الكفار جهادة أثابه الله عليه.
صفحه ۴۸