وحل - خلد الله ملكه - بظاهر القاهرة فكادت تسير لخدمته بأهلها وجدرانها، غير أنه أثقلها الحلي فأخرها لتبدو إليه في أوانها المراد، وما أحسن الأشياء في أوانها، وهم نيلها أن يجري في طريقه لكنه أخره النقص والتقصير، واستحيا أن يقابله وهو دون غاية التمام ، أو يسير من مواكب أمواجه في عدد يسير، وخشي أن يتخلل السبل بين يديه فيحصل في ريها الخلل، أو تظهر عليه - كونه في زمن توهمه - حمرة الخجل، وكأن عمود مقياسه قد آلى أن لا يضع أصابعه في اليم إلا بإذن سلطنته، ولا يلبس ثوب خلوق إلا ما يزره عليه ببنانه، ولا يأتي بزيادة إلا بعد مقدمه، وكيف لا، ومدده من إحسانه.
وركب سحر الإثنين الثالث والعشرين من شوال سنة اثنتين وسبعمائة من ظاهر القاهرة في موكب حف به الظفر، وأضحى حديثة للأنام وذكرى للبشر. وسيفه المنصور قد أذهب عن الملة الإسلامية ليل الخطب ومحا، والأمة يترقبون طلوع فجر بدره، ولسان المسرة يتلو عليهم موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناش ضحى. ودخل البلد وقد تزايدت بمقدمه سرورا وبشرا، وأنشدته:
أنت غيث إذا وردت إلى الش
ام ونيل إذا تيممت مصرا
أطلع الشرق من جبينك شمسا
ليس تخفي ومن محياك بدرا
كان أمر التتار مستصعب الح
ال فصيرت عسر ذلك يسرا
صفحه ۵۵