روض نادر
الروض النضر في ترجمة أدباء العصر
ژانرها
كأنه أشار بهذا البيت إلى ما قاله مروان بن أبي حفصة (¬1) إن الغناء غذاء الأرواح، كما إن الشراب غذاء الأشباح، وذلك لأن أصوات البلابل والحمائم ونحوها يختلف باختلاف السامع، فمنهم من جعله غناء، ومنهم من جعله عناء. إذ الإيقاعات المطربة لها في النفوس منزلة وتأثير عجيب، وموقع لطيف في تصفية الذهن، وتفريج القلب، وجلب السرور حتى قال بعضهم: أن أمهات لذات النفوس اربعة: لذة المطعم والمشرب # والنكاح والسماع. فالثلاثة الأولى لذات (¬1) جسمانية، ولا يتوصل إلى واحدة منها إلا بحركة تكلف. ولذة السماع نفسانية، ونشوة روحانية (¬2)، تدب في البدن، وتسري في الروح من غير تكلف فتنمي الأرواح كما تنمي الأشجار. وأصوات الحمائم من هذا القبيل وفي تسميتها غناء قال ابن عبد الظاهر (¬3):
نسب الناس للحمامة حزنا ... وأرى في الشجي ليست كذلك
خصبت كفها وطوقت الجيد ... وغنت وما الحزين كذلك
ومثله كثير. ومنها:
في ساعة سمح الزمان بطيبها ... وتفضلت بصفائها الأيام
والكأس في يده تدار وبيننا ... تب به لصدا القلوب رهام
من خمرة مثل الشموس وكأسها ... بدر إذا ما زال عنه غمام
ومثل هذا التشبيه كثير كقول بعضهم:
رأيت الحميا في الزجاج بكفه ... فشبهتها بالشمس في البر والبحر
ومنها:
وبمزجها تبدو نجوم سمائها ... من فوقها أنى يكون ظلام
حلت لنا وجلت فليس بشربها ... إثم ولا عنها يقال حرام
هذا لعمري للمحب هو المنى ... وهو الحياة وغيره أوهام
***
صفحه ۴۳