الصفات الثبوتية على السلبية بناء على أنها وجودية والوجود أشرف من العدم وفيه بحث في محل يليق به ولا يخفى خلو افتتاح المقال من براعة الاستهلال المتنزه من النزاهة بفتح النون وهي البعد أي المتباعد عن مشابهة الاعراض والأجسام لحدوثهما والله تعالى قديم واجب الوجود كما برهن عليه في محله وتعبيره بالبعد عن المشابهة كناية عن نفى المشابهة أصلا إلا أن بينهما مشابهة بعيدة وهذه قاعدة معروفة من قواعد العرب يعبرون بهذا وما جرى مجراه ومرادهم بذلك المبالغة في النفي وتأكيده ومن القاعدة قولهم فلان بعيد عن الخنا وغير سريع إليه قال المرتضى رضي الله عنه يريدون أنه لا يقرب الخناء لا نفى الاسراع إليه حسب وهكذا القول في البعد عن المشابهة في كلام المصدر يراد به عدمها أصلا لا حصولها على بعد قال رحمه الله ومنها قوله تعالى الذي رفع السماء بغير عمد ترونها ولا تكونوا أول كافر به ولا يسئلون الناس إلحافا ومن كلامهم فلان لا يرجا خيره وليس مرادهم أن فيه خيرا لا يرجا وإنما غرضهم أنه لا خير عنده على وجه من الوجوه وقول بعضهم لا يفزع الأرنب أهوالها ولا يرى الضب بها ينحجر أراد ليس بها أهوال تفزع الأرنب ولا ضب بها فينحجر وقول الاخر من أناس ليس في أخلاقهم عاجل الفحش ولا سوء الجزع لم يرد أن في أخلاقهم فحشاء آجلا ولا جزعا غير سئ وإنما أراد نفى الفحش والجزع عن أخلاقهم ونظائر ذلك كثيرة في كلامهم وفي هذه الفقرة إشارة إلى سائر صفاته السلبية إجمالا المتفضل أي المحسن ومجيئه بصيغة التفعل مبالغة فيه كما سبق بسوابغ الانعام أي بالانعام السوابغ وأضاف الصفة إلى موصوفها مراعاة للفاصلة وجرى في ذلك على مذهب الكوفيين كجرد قطيفة وإخلاق ثياب وعند المانعين من إضافة الصفة إلى الموصوف يؤل هنا بما أول به تلك الأمثلة بأنهم حذفوا الانعام هنا حتى صارت السوابغ كأنها اسم غير صفة فلما قصدوا تخصيصه كونه صالحا لان يكون الانعام وغيرها مثل خاتم في كونه صالحا لا يكون فضة وغيرها أضافوه إلى جنسه الذي يتخصص به كما أضافوا خاتما إلى فضة فليس إضافته إليها من حيث أنه صفة لها بل من حيث أنه جنس مبهم أضيف إليها ليتخصص وعلى هذا القياس نظائر كثيرة والسوابغ جمع كثرة لسابغة وهي التامة الكاملة قال الجوهري يقال شئ سابغ أي كامل واف وسبغت النعمة تسبغ بالضم سبوغا أي اتسعت وأسبغ الله عليه النعمة أي أتمها ومنه إسباغ الوضوء إتمامه والانعام جمع قلة لنعمة وهي لغة اليد والصنيعة والمنة وعرفا هي المنفعة الحسنة الواصلة إلى الغير على جهة الاحسان إليه وهي أما ظاهرة أو باطنة قال الله تعالى وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة وربما تخص الباطنة باسم الآلاء والعموم هنا أبلغ المتطول من الطول بالفتح وهو المن يقال طال عليه وتطول عليه إذا امتنن عليه أي الممتن بالفواضل جمع فاضلة وهي الاحسان وأبلغ في وصفه مع إتيانه بجمع الكثرة بقوله الجسام بالكسر أي العظام جمع جسيم يقال جسم الشئ أي عظم فهو جسيم وجسام بالضم وإنما ترك ذكر للتفضل والمتطول عليه لكون الفرض إثبات الوصف له على الاطلاق ثم مقام الخطابة يفيد العموم في إفراد من يصلح تعلقه به أو للاختصار مع إرادة التعميم كما تقول قد كان منك ما يؤلم أي كل أحد ومنه قوله تعالى والله يدعو إلى دار السلام أي يدعو كل أحدا ولمجرد الاختصار كقولك أصغيت إليه أي إذني ومنه قوله تعالى أرني أنظر إليك أي إلى ذاتك وقوله تعالى هذا الذي بعث الله رسولا أي بعثه الله أو لغير ذلك مما هو مقرر في محله من فن المعاني أحمده بفتح الميم لان ماضيه حمد بكسرها كعلم يعلم وما في قوله على ما موصولة وصلتها فضلنا والعايد على الموصول الهاء في به ومن في قوله من الاكرام لبيان الجنس وأشار بذلك إلى قوله تعالى ولقد كرمنا بني آدم إلى قوله وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا والذي كرم به بنو آدم على ما اختاره محصلوا المفسرين القوة والعقل والنطق والعلم والحكمة وتعديل القامة والأكل باليد و
صفحه ۶