روض البيان على فيض المنان في الرد على من ادعى قدم القرآن
روض البيان على فيض المنان في الرد على من ادعى قدم القرآن
ژانرها
أي إن قلت معترضا علينا في استدلالنا بذكر محدث على خلق القرآن، وقلت هذا الإستدلال غير مسلم، ودليلنا على عدم حدوثه قوله تعالى : { ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده سبعة أبحار ما نفدت كلمات الله } (¬1) . ووجه الإستدلال أن معنى الآية لو صار جميع ما في البحار مدادا وجميع أشجار الأرض من نباتات وغيرها أقلاما، وجميع الحيوانات كتبه، وجميع الجمادات قراطيس، ثم امتدت بهم وطالت مدتهم حتى كتبوا بتلك الأقلام وتلك البحار التي صارت مدادا على تلك القراطيس كلام الله »تعالى« لفنيت جميع المخلوقات ، ولم يفن كلام الله »تعالى« فقد بين سبحانه وتعالى جميع المخلوقات تفنى، وكلامه لا يفنى، علمنا أنه لا يفنى لأنه قديم، وتفنى المخلوقات بالإضافة إليها محدثة مخلوقة.
قلنا : إن سلمنا لك هذا الإستدلال على عدم وقوع الفناء للكلام الفعلي فجواز فنائه كاف في الإستدلال على قدمه، لأن ماجاز عدمه استحال قدمه، وإمكان فنائه عقلا كاف في دفع برهانك الذي قصدته، وسأسوق لذلك نظيرا تعرف به الحق، فأقول بأن ثواب الطائعين في دار الجزاء، وعقاب العاصين في دار المجازاة لا يفنيان لقيام الدليل القاطع النقلي على تخليد أهل الجنة في النعيم وأهل النار في الجحيم. فهذا نظير الكلام الفعلي إن سلمنا لك عدم وقوع فنائه. أليس ثواب الطائعين وعقاب العاصين مخلوقين؟ بلى، هما مخلوقان عدلا في عقاب أهل المعاصي وفضلا في ثواب أهل الطاعة. هذا كله مجاراة للخصم وإلا فدليله على عدم الفناء غير مسلم لأنه ليس المراد من قوله تعالى { ما نفدت كلمات الله } ، الكتب المنزلة. كيف يكون المراد ذلك، وضرورة العقل شهادة بأن أهل كل كتاب منزل (¬2) قد كتبوا كتابهم، وقرؤوه، فضبت الكتب المنزلة بأقلام دون الأشجار كلها، ومداد دون البحار المذكوره، فوجب حمل الآية على خلاف تعسفه.
صفحه ۱۱۸