فسكوت أبن أبي داود هنا إنما هو إفحام ، من حيث جبر الناس على القول بخلق القرآن ، لأن ذلك لا يحل . نعم إذا ظهرت بدعة (¬1) القول بعدم خلقه والقول بقدمه فيكون منكرا يلزم القادر تغييره ويكون الجواب حينئذ عن سؤالات ذلك الشيخ ، ان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علم هذه المقالة ، ولم يدع الناس إليها لعدم القول بخلافها في عصره ، وكذا في عصر من بعده - صلى الله عليه وسلم - من الخلفاء ، ولم يستر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأمة شيئا لا يسعهم جهله بل بين لهم ذلك أوضح البيان بنص القرآن ، فقال عز وجل : { خالق كل شيء } . فإذا أقرت (¬2) الأمة بأن الله خالق كل شيء ، لم يلزم الداعي إلى الدين تفصيل الأشياء المخلوقة شيئا شيئا حتى يقول لهم اعتقدوا أن القرآن مخلوق وأن الأرض مخلوقه وأن السماء مخلوقه وهكذا إلا مالا (¬3) نهاية له في طوق البشر . فإذا ظهر أن الدين كامل وأن القائلين بقدم غير الله عز وجل وبنفي الخلق عن بعض مخلوقاته خارجون عن كمال الدين لنقضهم الإجمال الذي كان في عصره - صلى الله عليه وسلم - فلو كان القرآن خارجا عن الأشياء المخلوقة بحكم ، لبين لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الخصوصية التي فيه . ولما تركهم في إشكال من أمرهم لأن العلة التي أوجبت خلق الأشياء هي موجودة في القرآن ، فتركهم بلا مخصص لهذا العموم مع إرادة التخصيص له ، مما لا يجوز في حكمة الله تعالى .
صفحه ۶۱