الحديث ورجاله، وتبحّره في السمعيات» (١).
وهو كما قال، فقد وصفه بالحفظ جماعة من العلماء واعترفوا له بذلك؛ كالنفيس العلوي (شيخه)، والهادي الوزير، والصنعاني، والشوكاني. والناظر في كتبه (٢) يجده واسع الحفظ (٣)، غزير الإطلاع، فهو يسرد في المسألة الواحدة أزيد من مئتي حديث مستحضرًا لتراجم الرواة، وما قيل فيهم، وله اختيارات وترجيحات وعبارات تدلّ على تمكنه من هذا الفنّ، وله كلام على دقائق علوم الاصطلاح، والجرح والتعديل (٤)، وهو بكتب الحافظ الذهبي أشدّ عناية، بل يكاد يستظهرها خصوصًا «النبلاء» و«الميزان» (٥).
أما العلوم العقليّة (٦)؛ فقد بلغ منها الذروة العليا، بل هو جذيلها المحكّك، وعذيقها المرجّب، «شهد له بذلك جميع أهل الزّمان، من الأقارب والأباعد، والمخالف له في الاعتقاد والمساعد» (٧).
ولا عجب -أيضًا-؛ لأن هذه الفنون هي التي أفنى فيها ابن
_________
(١) «تاريخ بني الوزير» (ق/٣٦ب) نسخة المكتبة الغربية.
(٢) قال الشوكاني في «البدر الطالع»: (٢/ ٩٠) «ومن رام أن يعرف حاله ومقدار علمه (فعليه بمطالعة مصنفاته، فإنها شاهد عدل على علوّ طبقته، فإنه يسرد في المسألة الواحدة من الوجوه ما يبهر لبّ مطالعه ويعرّفه بقصر باعه» اهـ.
(٣) دلّلنا على كون المؤلف يكتب من حفظه، انظر المقدمة (ص/٨٤).
(٤) انظر الفهارس الموضوعية.
(٥) انظر موارد المؤلف.
(٦) كالأصول، والنحو، والمنطق وغيرها.
(٧) «تاريخ بني الوزير»: (ق/٣٥ب).
المقدمة / 11