رسائل الجاحظ
رسائل الجاحظ: وهي رسائل منتقاة من كتب للجاحظ لم تنشر قبل الآن
ژانرها
وصنيعه حين قال: منا خير فارس في العرب: عكاشة بن محصن. وكان أسديا، وكان حليفا لبني عبد شمس - وكل من شهد بدرا من بني كثير بن داود وكانوا حلفاء بني عبد شمس - فقال ضرار بن الأزور الأسدي: ذاك منا يا رسول الله! فقال عليه الصلاة والسلام: بل هو منا بالحلف. فجعل حليف بني عبد شمس حليف بني هاشم، وهذا بين لا يحتاج صاحب هذه الصفة إلى أكثر منه. قالوا: ولهذا نكح هذا البيت في هذا البيت، فكيف صرنا نتزوج بنات النبي وبنات بني هاشم على وجه الدهر إلا ونحن أكفاء وأمرنا واحد؟ وقد سمعتم إسحاق بن عيسى يقول لمحمد بن الحارث أحد بني عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد: لولا حي أكرمهم الله بالرسالة لزعمت أنك أشرف الناس. أفلا ترى أنه لم يقدم علينا رهطه إلا بالرسالة؟
قالت هاشم:
قلتم: لولا أنا كنا أكفاءكم لما أنكحتمونا نساءكم. فقد نجد القوم يستوون في حسب الأب ويفترقون في حسب الأنفس، وربما استووا في حسب أبي القبيلة كاستواء قريش في النضر بن كنانة، ويختلفون كاختلاف كعب بن لؤي وعامر بن لؤي، وكاختلاف أبناء قصي عبد مناف وعبد الدار وعبد العزى. والقوم قد يساوي بعضهم بعضا في وجوه ويفارقونهم في وجوه ويستجيزون بذلك القدر مناكحتهم وإن كانت معاني الشرف لم تتكامل فيهم كما تكاملت فيمن زوجهم. وقد يزوج السيد ابن أخيه وهو حارض ابن حارض، على وجه صلة الرحم، فيكون ذلك جائزا عندهم. ووجوه في هذا الباب كثيرة. فليس لكم أن تزعموا أنكم أكفاؤنا من كل وجه، وإن كنا قد زوجناكم وساويناكم في بعض الآباء والأجداد!
وبعد، فأنتم في الجاهلية والإسلام قد أخرجتم بناتكم إلى سائر قريش وإلى سائر العرب، أفتزعمون أنهم أكفاؤكم عينا بعين؟
وأما قولكم إن الحيين كان يقال لهما عبد مناف، فقد كان يقال لهما أيضا مع غيرهما من قريش وبنيها: بنو النضر. وقال الله تعالى:
وأنذر عشيرتك الأقربين ، فلم يدع النبي
صلى الله عليه وسلم
أحدا من بني عبد شمس، وكانت عشيرته الأقربون بني هاشم وبني عبد المطلب، وعشيرته فوق ذلك عبد مناف، وفوق ذلك قصي. ومن ذلك أن النبي
صلى الله عليه وسلم
لما أتي بعبد الله بن عامر بن كريز بن حبيب بن عبد شمس، وأم عامر بن كريز أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب بن هاشم، قال: هذا أشبه بنا منه بكم. ثم تفل في فيه فازدرده، فقال: أرجو أن تكون مسقيا. فكان كما قال. ففي قوله: هو أشبه بنا منه بكم، خصلتان: إحداهما أن عبد شمس وهاشما لو كانا شيئا واحدا كما أن بني عبد المطلب شيء واحد لما قال هو بنا أشبه به منكم، والأخرى أن في هذا القول تفضيلا لبني هاشم على بني عبد شمس. ألا ترون أنه خرج خطيبا جوادا نبيلا وسيدا مسقيا له مصانع وآثار كريمة! لأنه قال: هو بنا أشبه به منكم؟ وأتي عبد المطلب بعامر بن كريز - وهو ابن ابنته أم حكيم البيضاء - فتأمله وقال: وعظام هاشم ما ولدنا ولدا أحرض منه. فكان كما قال. ولم يقل: وعظام عبد مناف؛ لأن شرف جده عبد مناف له فيه شركاء، وشرف هاشم أبيه خالص له.
صفحه نامشخص