2
ألثم عارضيك، وأقبلك قبلات الإخاء، وأسأل خاطر والدتك العزيزة، وأطلب توفيقكم دائما. وصل تحريرك المؤرخ في 28 كانون الأول في 3 الجاري، ووصل قبله تحريرك المؤرخ في 22 كانون الأول، وأجبتك عليه مطولا، وأنا على ثقة من أنك لم تكتب لي إلا بعد وصول تحريري بيدك، فلو كنت عازما على الكتابة ما كنت نسيت، بل كنت فقت قبل ذلك الوقت، فحنا وعبد الأحد وحدهم الذين كتبوا لي ولأقاربهم هنا عند فتوح البوستة.
قلت: إن تحاريري الأربعة وصلوا ليدكم مع أنني كاتب تحارير غيرها، فيظهر أنها لم تصل بعد، مع أنني أرسلتها للبريد مع خادم اللوكاندة؛ لأنني مرضت في بيروت بالحمى الإسبانيولية ولم أتمكن من الذهاب للبوستة بنفسي، وبقيت في بيروت ثلاثة أسابيع وشفيت، والحمد لله.
تلومني على اختصاري؛ فللظروف أحكام، وفي ذلك الوقت ما استطعت أن أكتب أكثر من ذلك لأسباب. توبخني في تحريرك وتلومني؟! فلم نفسك على تقصيرك؛ فأنا غير مقصر بشيء، فمن أعال عائلة بأسرها مدة الحرب لا تكون مكافأته هذا التحرير الناشف منك.
تقول لي: إنك دارس العلوم، ولو أردت أن تنسخ توراة بكاملها لا تكلفك خمس دقائق. نعم إن الكتابة عندي هينة إذا لم يكن الدور علي، ولم يكن يوجد ظروف تمنعني عن كتابة كل شيء. أما ما جرى في لبنان فمحصور في ثلاث كلمات: ظلم وجوع وموت، والتحرير الذي تطلبه موضحا، فقد أرسلته لك. والآن أزيدك إيضاحا. وتقول أيضا: إنك متكدر من تسكير الطرقات وقطع التحارير، فهذا كدرنا أكثر؛ لأنه لو بقيت الطرقات مفتوحة كنتم عاونتونا في حملنا الثقيل في مدة الحرب. أما فراقكم فصعب علينا جدا، وقبح الله الفراق، ثم كتبت في تحريرك أن أوضح لك عن كل شيء، وأن لا أترك شيئا أبدا أبدا؛ لأنه يهمك معرفة كل شيء صار، وأنا أقول لك: يهمني أيضا أن تعرف كل شيء حتى تصير تعرف قيمة الناس، وتميز الصالح من الطالح، وترفع الغشاء عن عينيك. تطلب مني أن لا أخفي عليك شيئا من جهة إخوانك، فقد برح الخفاء في تحريرنا الماضي. أما على قولك أنك لا تصدق أن إخوانك بعدهم أحياء ما لم ترهم أو تر صورهم، فأقول لك: آمن يا توما بما كتبت لك. إلياس مات بالحمى، وروحانا مات بمرض داخلي، والبقية أحياء، ولكي تراهم فعند حضورك للوطن إذا أمد الله بأجلنا وآجالهم. أما صورهم فعن قريب تصل إليك بعد رجوعي من بكركي وبيروت. أما كدرك على والدتي وأخي، فهذا أمر لا أشك فيه أبدا. والدتي ماتت بعد إلياس وروحانا بمدة شهر ونصف تقريبا.
تسأل عن ابن عمك طنوس - فالخير والهنا يسأل عنك - صحته جيدة، وهو مع إخوتك، وكلهم بصحة جيدة يهدونك سلامهم.
لوسيا ووالدتها وستك ماتوا. أعاضنا الله بطول بقاك.
أما قولك لي: أيش وصلك إلى غبالين! فغبالين تابعة لقريتنا، وأحب أن أذكر ذلك من جملة ما ذكرت لكم. أما قولك: غير يا مارون كل أطباعك، فأنا كذا خلقت حرا، وأطباعي من أحسن الطباع، ولا عندي خبث ولا كذب، وقلبي نقي. أما أنت فلا تفتح أذنيك كثيرا، وسلم أمورك إلى رب الورى تسلم، واعلم أنني لا أحيد عن جادة الحق والصدق، وأقطع لساني وأكسر قلمي إن نطق أو كتب غير الحق.
قلت: إنه في أقرب وقت تصلني الدراهم متواصلة تلغرافيا، ولحد الآن لم ترسلوا لا خطيا ولا تلغرافيا، وتقول أيضا: إن كل أولاد قريتنا مستعدون لإرسال الدراهم تحت يدي، فهذا لا يهمني؛ فإن أرسلوا تحت يدي قبضتها وسلمتها لأهلهم؛ خدمة لهم ولا منفعة لي منها؛ لأنني لا أريد أن أنتفع من مال الناس. أما قولك لي: «لا لزوم أن أوصيك في إخواني، والذي يكون مثلك لا يلزم له توصية بمن له.» ففي هذه العبارة صدقت ، فمن أوصاني بهم عندما كان ق... يأكل الخبز والعسل وولده يموت جوعا أمامه، ولكن الله على الباغي فقد مات ي... ولحقه ق... جوعا.
عتب علي صهرنا بطرس الغلبوني لأنني لم أذكر شيئا عن ولده، فماذا يريد أن أقول له؟ أرسله سمعان دياب ليحمل له الطحين من جبيل، فقصر تحت حمله في «دقار غرفين»، فتركوه هناك وفي الغد مات، ولأمانته لم يمس الطحينات ومات جوعا. فيا لهف نفسي وحرقة قلبي عليه!
صفحه نامشخص