8
بالسريانية من الشرفة المقابلة، فاستغرب البطرك أن يرتفع في دار الخلافة وبين الجوامع والمآذن، وفي عاصمة التكبير والتهليل صوت يرتل بالسريانية، وسأل مرافقه عما يكون هذا «التشوبح»، فأجابه أحدهم بالنكتة المشهورة: «شايفلك، يا سيدنا، هيدا شي واوي عتيق!»
وثابت عند قدماء الشدايقة الذين عاصرو الرجلين العظيمين الداهيتين أن البطرك بولس لم يقر عمل زميله الحبيشي في حبس أخي الفارياق «أسعد» ذلك الحبس القاسي، وأنه سفهه إذ اجتمع بابن عمته، وثابت عندهم أيضا أن أحمد فارس قال ساعتئذ للبطرك كلمة تاريخية: «ولن أخجل بعد الآن، يا ابن خالي، أن أكون مسيحيا مارونيا ...»
وشائع أيضا عند الشدايقة - وانتبه يا أستاذي إلى هذا الخبر الخطير - أن نسيبهم أحمد فارس رجع إلى دين آبائه، وقد مات وذخيرة عود الصليب في عنقه ... وهذا ما سأبسطه في مقال خاص.
فقولكم: إن الشدياق أبى زيارة ابن خاله في الآستانة «إن لم يعترف بخطأ سلفه البطرك الحبيشي،
9
فتعقدت مساعي التقريب بينهما؛ لأن البطريرك لا يستطيع ذلك، فالذي فعله الحبيشي في ذلك الزمان كان واجبا دينيا رعائيا.» إن هذا الرأي لم يكن رأي البطرك مسعد؛ أعقل وأخطر زعيم عرفته الملة المارونية «وهيهات أن ينجب لبنان مسعدا آخر»، وإنما هو رأي يقول به المطران عبد الله الخوري في أيامنا هذه على ما اتصل بي.
وثق يا شيخ مارون وأنت مثلنا الجبلي الأصيل من عظام الرقبة، والعارف مثلنا نفسية وطننا الصغير الجميل، ثق لو أن البطرك كان يومئذ غير حبيشي «أو غير خازني» لما تجرع أسعد ذلك العذاب المرير. ولعلك تذكر عن أبيك عن جدك أن أسيادنا الإقطاعيين ما كانوا يتحملون أن يرد أحد عبيدهم في وجوههم، فكيف بهم إذا كانوا إقطاعيين مزدوجين - إقطاعيتهم اجتماعية روحية - وكان ذلك العبد جريئا حرا شبعان من حليب أمه كشهيدنا أسعد؟
ثم إني أعتقد أن القرابة بين مسعد والشدياق
10 «ثم التحاقد بين مسعد والبطرك الخازن «خلف الحبيشي» على أثر تزاحمهما على البطركية»، والثورة التي كانت تتأجج في صدر مسعد على العهد الإقطاعي الذي ساد لبنان، ونال منه سوء عظيم، «ولعلك تذكر أن الميزة «الوحيدة» التي جعلت المطران الخازن يجلي في ميدان السباق إلى الكرسي الأنطاكي، ويقهر مزاحمه مسعد الجبار إنما كانت إقطاعيته وثروته.»
صفحه نامشخص