راجعان إلى غرض واحد، وإن اختلف الجوابان واللفظان.
فهذا جواب عن اعتراضك الأول. وأما اعتراضك الثاني فإنا قلنا في الشرح: إنما خص البدر وقد كانت الشمس أنوه في الذكر، وأعظم في الفخر؛ لما أراد من التصاعد من أول مرتبة في الفخر إلى آخر مرتبة فيه. فذكر البدر الذي هو أقرب الكواكب إلينا، ثم تصاعد إلى الجوزاء التي هي في الفلك الثامن، وهي أرفع مراتب الكواكب، فكان أن أخذ بطرفي الفخر.
وتكلمنا على تخصيصه الجوزاء دون سائر الكواكب الثانية، لئلا يطول ذكره فعارضتنا بأن كتبت في الطرة: لا، إنما ذكر البدر لأجل ذكره الجوزاء، والليل يجمعهما. ولو ذكر الشمس مع الجوزاء لافترقا له وافترق المعنى. وهذا الذي قلته - أبقاك الله - معنى آخر ممكن أن يقال. غير أن الذي أومأنا نحن إليه، ونبهنا عليه أحسن معنى، وألطف مغزى. والشعراء يستعملون التصاعد من الأدنى إلى الأعلى مبالغة في المعاني، فتقول: هو كوكب، بل هو بدر، بل هو شمس، فيكون أبلغ من قولهم: هو شمس دون أن يذكر البدر والكوكب. وأما اعتراضك بأنه لو ذكر الشمس مع الجوزاء لتناقض الكلام؛ لأن الشمس تطلع بالنهار، والجوزاء بالليل، فكلام غير صحيح؛ لأن الجوزاء طالعة بالنهار مع وجود الشمس كطلوعها مع وجود القمر، وإن كانت تمتنع من رؤيتها الأبصار؛ لأن نور الشمس يغلب جميع الأنوار، وكيف تنافرها الشمس وهي من بروجها ومن أوجها؟ وأما قولك: والليل مجمعها؛ فكلام طريف؛ لأن الموضع الذي فيه الشمس والجوزاء لا يصل إليه الليل والظلماء، كما يصل الليل إلى موضع البدر، ونحن نمسك ههنا عن الكلام، ونقبض عنان العلم تأدبا، كقول المتنبي:
(أبلغ ما يطلب النجاح به الـ ... ـقصد وعند التعمق الزلل)
1 / 78