ولطرح الأتراح يرفعون الأقداح، وهي كأنها الياقوتة الحمراء، حتى تشابه عليهم الراح والصهباء:
رق الزجاج وراقت الخمر ... فتشابها وتشاكل الأمر
فكأنما خمر ولا قدح ... وكأنما قدح ولا خمر
وحينما قتلتْ تلك المقتلةُ أتراحهم، وأقامتْ أفراحهم، أخذ الرجال يسامرون النساء، حيث على يمين كل منا غيداء هيفاء، وريثما جاذبت مع قسيمتي أطراف الحديث، من ماضٍ وحديث التفتت إلي ومالت:
والسكر في وجنتها وجفنها ... يفتح وردًا ويغُض نرجسًا
وتثنت وقالت: سيدي العفو قبل الملام.
فقلت: بروحي سيدتي، علام؟
فقالت: أفي ريعان الشباب وتجتنب الشراب؟ والكؤوس راحة النفوس. ونحن في مجلس أشرقت بأفقه شموس السرور، وأحدقت عليه هالة الحبور؟ وقد علمت من حديثك الفصل أنك عربي المنشأ مشرقي الأصل، وقد سارت إلينا الأخبار وامتلأت الصحائف والأسفار تنبئنا عن الخلاعة المشرقية، والصبابة العربية، فأين أنت من حانات الخلفاء السالفين، ومحافل الأدباء الماجنين، وأحاديث العشاق الذين أضناهم الحب والاشتياق؟
فحين أطربت مسمعي بلفظها الأغن، وبعبارة منطقها الحسن، علمت أنها رضيعة لبان الأدب، وسليلة
1 / 333