رسائل الأحزان: في فلسفة الجمال والحب
رسائل الأحزان: في فلسفة الجمال والحب
ژانرها
إن هذا الإنسان وعاء من الأوعية لا يملؤه إلا الأفكار والنزعات، ومتى احتل الفكر وتمدد، ثم ضرب فتمكن، ثم غار بجذوره وانشعب بفروعه صبغ الأشياء كلها في عيني صاحبه بألوان منه حتى كأنه لا ينبعث في أشعة النظر إلا ليلبس كل ما تنظره العين، فلا يرى المرء فيما يرى إلا صورا من فكره كما تنبعث أخيله السيما
5
في أنوارها على حائطها؛ فإذا هو تاريخ وحكاية وعمل وحياة، وإذا هو هي على أنه حائط، ولم يخلق الله فيما أعرف غير الحب فكرا يتمكن من الإنسان ويضرب الضربات الثقيلة فيستطير في قلبه استطارة الصدع الشادخ في لوح الزجاج، يشقه على مد ما تتصل إليه حركته، ويثلمه على غير قاعدة من هنا وههنا، ويدعه فلولا تتشظى
6
وما هذا الحب إلا فكر الجمال وأثر عمله في النفس؛ إذ كان الجمال الفاتن لا يخلق على ذلك الأسلوب الذي هو عليه إلا ليستحوز على التخيل والحس معا؛ فهو نوع من جور الطبيعة على الإنسان يجيء من اتصال أحسن ما ظهر في شخص بأحسن ما كمن في شخص آخر؛ وهو كذلك نوع من استثارة هذه الطبيعة لكل ما في أعماق النفس الإنسانية ببعض ما في أعماقها هي، فالعاشق مقتتل
7
بأسلحة طبيعية منها كل نظرة من حبيبه وكل كلمة وكل حركة وكل ما مسه أو اتصل به منه؛ وذلك لأن قوة طبيعية عجيبة تنفثها رهبة الكون وتحصرها بين نفسه ونفس حبيبته لتجعل منهما طريقي سلبها وإيجابها؛ هذه القوة هي الفكر؛ هي ذلك الحب، هي الكهرباء المتألفة من نفسين، ومثل ذلك بعينه في الضرب على قلب الإنسان ما يتملك هذا القلب من هموم الدنيا وشدات مصائبها، كلا الفكرين قتل من الطبيعة غير أنها في أحدهما باسمة وفي الآخر عابسة، تقتل الإنسان بما يحب كما تقتله بما يكره، وهما طريقتان لا تسلك غيرهما إذا أرادت أن تنفذ بقدر من الأقدار الماحقة إلى باطن النفس لتترك هذا الإنسان المعذب يحس بغمز القوى الخفية على فؤاده.
الرسالة الحادية عشرة
تقول أيها الصديق: «ألا زدني ثم زدني فإن ليلك الحزين قد تفجر لك بصبح من تلك الشمس، وإن قلمك ليجمع أشعة النجوم ويصور منها ذلك القمر، وإنك لأنت المحب الذي يخرج من جنونه العقل الكامل، ولئن كانت تلك الحبيبة قد اختلجت نفسها
1
صفحه نامشخص