رسائل الأحزان: في فلسفة الجمال والحب
رسائل الأحزان: في فلسفة الجمال والحب
ژانرها
4
إلى ساعة الشفاء لكان كل متحابين عالما قائما من اثنين لإنشاء عالم لا يعد من صفات الفضائل وأنواعها.
كانت تقول لي: إن القلوب الضعيفة هي التي تصدأ في فكرة واحدة تلح عليها حتى تتأكل صدأ ثم تتفتت؛ فإذا حدثت عليها الحادثة انكسرت ولم تقم لها، وبقيت زمنا طويلا في الهموم حتى تتعب الحوادث والأقدار المختلفة في أيام تتصرم بعد أيام إلى أن تجمع حطام القلب قلبا متحطما.
ولكن القلوب القوية الصارمة ذات الصدور الجريئة الواسعة تكونها القوى المختلفة من العمل والفكر وعدم المبالاة على هيئة تجعلها مرنة في صلابة فهي تلتوي ولا تنكسر، وما أسرع ما ترجع كما كانت إذا لوتها الخيبة أو نجمت لها قاصمة من الحوادث التي هي مطارق القلوب لا تضرب إلا عليها ولا تحطم إلا فيها.
أقول لك «عدم المبالاة» فافهم عني فإني أريد أن تحفظ هذه الكلمة وتعيها من بوادي هذا الحب إلى تواليه إلى أعقابه،
5
إن عدم المبالاة يكون في بعض الأحيان وفي بعض الأمور هو كل ما تكلفنا به الطاقة البشرية من المبالاة ...
ثم تقول: إنما أنت مني في باب من أبواب الفكر فإياك لا تتسلط عليك حاسة من حواسك، فإن لهذه الحواس ضراوة السباع وكلبها؛
6
والعاطفة تجعل الإنسان أشكل بالملائكة والحاسة تجعله أقرب للشياطين، والحب كالخمر كلاهما نشوة وكلاهما دواء فلا تجاوز حد الطب فيما ترى ولا حد الشعر فيما تفهم، وإلا كنت كالمدمن لا يكفيه إلا ملء جوفه حرة وظمأ ومرضا وجنونا، وإذا هو ملأه توهم أنه يسع بحرا من الخمر، ولا يزال يطمع في الانتشاء، ولا يزال يسرف على نفسه حتى يذهب عقله وينكفئ، وما به قدره على شيء ولا على أن يتوهم شيئا، اجعل الحب تعللا ودع مكارهه في ناحية، وميز بين ما يجب أن يبقى خيالا وما يجوز أن يكون واقعا، فإن أردت أن تخرج من كل صورة في خيالك صورة من الواقع أشقيت نفسك، واستفرغت كل همك وقواك في باطل وعبث ليس مثلهما باطل ولا عبث، دع المعاني في ألفاظها إن لم تؤاتك الأسباب وعلل الأقدار على خلقها أعمالا فإنك إن داريتها ولم تجئك بالمسرة التي تريدها جاءتك بغيرها، وخرج منها على العلات شيء ما يكون منه أمر ما ... وكن في قوة عواطفك وإحكامها وضبطها كالمصارع الجبار الذي لا يوضع جنبه
صفحه نامشخص