رسائل الأحزان: في فلسفة الجمال والحب
رسائل الأحزان: في فلسفة الجمال والحب
ژانرها
ما هي العاطفة المهتاجة في نفس الإنسان اهتياجا لا يريه الحياة أبدا إلا أكبر أو أصغر مما هي؟
ما هو المعنى الساحر الذي يأتي من القلب والفكر معا، ثم لا يأتي إلا ليحدث شيئا من الخلق في هذه الطبيعة؟
ما هو ذلك الأثر الإلهي الكامن في بعض النفوس مستكنا يتوثب بها، ويحاول دائما أن يعلو إلى السماء؛ لأنه غريب في الأرض؟
وما هو الشعر؟
هذه الأسئلة الأربعة يختلف بعضها عن بعض وينزع كل منها إلى منزع، ولا جواب عليها بالتعيين والتحديد في عالم الحس؛ لأن مردها إلى النفس والنفس تعرف ولا تنطق؛ وشعورها إدراك مخبوء فيها وهي نفسها مخبوءة عنا، ولكن العجيب أن كل سؤال من هذه الأربعة هو جواب للثلاثة الباقيات؛ فالعاطفة هي ذلك المعنى وهي ذلك الأثر وهي الشعر، والشعر هو العاطفة بعينها، وهو الأثر وهو المعنى؛ وهلم جرا. •••
سبحانك يا من لا يقال لغيره سبحانك، خلقت الإنسان سؤالا عن نفسه وخلقت نفسه سؤالا عنه وخلقت الاثنين سؤالا عنك، وما دام هذا الإنسان لا يحيط به إلا المجهول فلا يحيط به من كل جهة إلا سؤال من الأسئلة؛ ولا عجب إذن أن يكون له من بعض المسائل جواب عن بعضها.
هذه هي الطريقة الإلهية في دقائق الأمور، تجيب الإنسان الضعيف عن سؤال بسؤال آخر.
ولقد أكثروا في تعريف الشعر وجاءوا فيه بكل ألوان القول، ولكن كثرة الأجوبة جعلته كأنه لا جواب عليه، بالغوا في تقريبه إلى الروح فأجروا في حده كل عناصر الجمال والفضيلة ودلوا بالخيال على حقيقته؛ إذ رأوا أنه لا يدل على حقيقته إلا الروح وحدها وهي غامضة فهو غامض وتفسيره في مئة تفسير.
الشعر وراء النفس والنفس وراء الطبيعة والطبيعة من ورائها الغيب؛ فلو جمع ما قيل في الشعر لرأيته يصلح في أكثر معانيه أن يقال في النفس، ثم لرأيته مفهوما من جهتنا وغير مفهوم من جهته، وما الشعر إلا أول المعاني المبهمة والدرجة الأولى من سلم السماء الذاهبة إلى عرش الله؛ وهو كذلك أول ما في الإنسان من الإنسانية.
في هذا الكون مادة عامة يسبح الكون فيها وتنبعث من قوة الله وإرادته وهي دائمة التركيب والتحليل إيجادا وفناء، وما أرى الشعر إلا تأثير هذه المادة في بعض النفوس العالية الكبيرة التي تصلح أن يسبح خيال الكون فيها.
صفحه نامشخص