بسم الله الرحمن الرحيم رب زدني علما ياكريم الحمد لله الذي دل على الخير وهدى وأمر بما فيه صلاح الأمر وعن صدق قد نهى والصلاة والسلام على من جعل اتباعه واجبا على ما وراءه من الوري فمن اتبع هديه فقد اهتدى ومن امتنع عنه فقد ضل وغوى وعلى آله وأصحابه نجوم الهدى ورجوم الردى أما بعد فبعد ما كتبت رسالة مشتملة على تحقيق مسألة الأشارة بالمسبحة في الصلاة حال الشهادة في العقدة وبينت أنها ثابته بأحاديث وردت في السنة وصحت الرواية المطابقة لها عن أئمتنا الثلاثة وكذا عن بقية الأربعة وزيفت كلام من قال بترك الأشارة أو برواية الكراهة وطفيت على من تعدى عن حد الاستقامة بجعل الأشارة من الأفعال المحرمة كتب إلى بعض علماء زماننا ومشايخ اواننا من ذوي الفضائل الحميدة والفواضل العديدة بما خلاصته أني طالعت الرسالة المذكورة واستفدت من فوائدها المسطورة لكن وقعت لي شبهة في الظاهر وأريد رفعها عن الخاطر وهي أنه أوقع علي الكيداني تشببها كثيرا وطعنا كبيرا في القول بالحرمه مع أنه من ارباب العلم والحشمة فإنه وجد في ظهر كتاب عتيق أنه تصنيف حافظ الدين أبو البركات عمر النسفي وكذا أيضا سمع من بعض الناس أنه من تأليفه الوفي والحال أن في الروايات الفقهية وقعت أختلافا كثيرا من العلماء الحنفية ففي الواقعات والتنجيس ومختارات النوازل والمضمرات والولوالجي والفتاوى الكبرى لا يشيرو عليه الفتوى وفي شرح الكنز إذا انتهى إلى قوله أشهد أن لا إله إلا الله فالمختار أنه لا يشير كذا في الواقعات والخلاصه وغيرهما وفي * وايضاح الصلاح والزيلعي ومنية المفتي يكره الأشارة وفي الظهيريه ولا يشير عند قوله أشهد أن لا إله إلا الله وفي الكفاية شرح الهداية وفي ظاهر الأصول لا يرفعها وكذا روى عن أبي يوسف وفي جواهر الأخلاطي وفي ظاهر رواية الأصول عدم رفعها وهو المروي عن القاضي والمختار الكراهة فيه وفي العتابيه ولا يشير بالسبابه عند التشهد وهو المختار وفي الغيائبه هو المختار وعليه الفتوى ومن هذا القبيل وردت روايات آخر وأيضا من المعلوم أن بعضهم قال كل مكروه حرام فيحتمل أن الكيداني ذهب إلى هذا المذهب وأيضا المقرر أن تحريم الحلال وتحليل الحرام إنما هو في الأمر المتفق عليه لافي الفروعات المختلفة في المذاهب والغرض من العرض أن يتأمل في هذا الباب ويكتب المرجح في الجواب على وجه الصواب فأقول وبالله التوفيق وبيده ازمة التحقيق أن مجمل الكلام في مقام المرام هو أن ما نقل عن المشايخ فهو خلاف الرواية والدراية على ما صرح به الإمام المحقق إبن الهمام في شرح الهداية وتوضيحه أن رواته الأشارة ثابته عن أئمتنا الثلاثة على وجه الصراحة فما قال غيرهم خلاف رواية السلف المتقدمين وإنما هو من اختيارات بعض الخلف المتأخرين مع أنها متعارضة والعيارات مضطربة ومتناقضة وأما خلاف الدراية فلأن الأشارة ثبتت بالأحاديث النبوية وأتفقت عليه كلمة الأمة الأسلامية ثم نقول القائل بعدم الأشارة هل هو يدعي الأجتهاد المطلق أو الاجتهاد في المذهب المحقق ولا سبيل إلى الأول على ما عليه المعول وعلى تقدير التنزل فيقال أخطأ في اجتهاده حيث خالف السنه وأجماع علماء الأمة فلا يجوز تقليده لقوله صلى الله عليه وسلم من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد وأن كان هو مجتهدا في المذهب فمحله إنما هو إذا لم تكن المسألة منصوصة تخرج على مقتضى قواعد أصول إمام المذهب وفروعه المبينه وعلى سبيل العرض فغيره أثبت الأشارة والمثبت مقدم على النافي لاسيما وهو مؤيد بالأحاديث الصحيحة ثم القائل بأن الفتوى على ترك الأشارة مدع بانه مجتهد في المسألة فمحله إذا وجد عن الأمام روايتان أو عنه رواية وعن صاحبيه أخرى فحينئذ له وجه التصحيح مع أنه يحتاج إلى دليل الترجيح إذ لايقبل ترجيح بلا مرجح ولا تصحيح بلا مصحح فلو فرض وجود روايتين فالراجح ما وافق الأحاديث المصطفويه وطابق أقوال جمهور علماء الأمة مع أنه معارض بقول آخرين من المشايخ المعتبرين أن الفتوى على الأشارة وأن لا خلاف في كونها من السنه وأما القائل باثبات الكراهه فقد أبعد عن مرتبة النزاهة فان المكروه ما ثبت النهي في حقه مع المعارض المساوي له بلا ترجيح وحكمه الثواب بالترك لله وخوف العقاب بالفعل وعدم الكفر بالاستحلال ولا شك في عدم ورود نهي الشارع عنه ولو ادعاه مدع فعليه البيان وعلينا رده بالبرهان وأما الأحتمالات الوهمية والترددات العقلية بإنه يحتمل أن يكون القائلون برواية ترك الأشارة أو وجود الكراهة وجدوا نقلا عن بعض أئمتنا الثلاثة أو ورود نهي بالخصوص في كتب السنه فهي غير معتبره عند ارباب الأعتبار من أصحاب النظار فثبت العرش ثم انقش واسرح السراج ثم انكش ومن أكبر العجائب وأظهر الغرائب أن بعض الناس في هذا الزمان مع دعويهم انهم من فضلاء الاوان يرضون بتقليد بعض المقلدين من غير دليل وبرهان في الدين ويتركون الروايات الصريحة عن المجتهدين المؤيدة بالأحاديث الصحيحة عن سيد المرسلين وهل هذا إلا من قبيل ما قال تعالى في حقهم قالوا أنا وجدنا أباءنا على السنة وأنا على آثارهم مقتدون وأما العامة الجاهلة عن معرفة الرواية والدراية فهم في الجملة معذرون فمن تبع عالما لقى الله سالما ولذا قال صلى الله عليه وسلم ويل للجاهل مره وويل للعالم سبع مرات وأما القائل بحرمتها المنفرد بكتابتها المسمى بملأ لطف الله النسفي المشهور بالفاضل الكيداني كما صرح به شارحه مولانا شمس الدين محمد القهستاني فقوله من أقبح القبيح بل من الكفر الصريح حيث وقع مخالفا للحديث الصحيح ومناقضا أئمة المذهب على ما ثبت عنهم بالتصريح واتفق عليه المشايخ والفضلاء بل انعقد عليه أجماع العلماء إذ لا عبرة بمخالفة من خالفهم من الخلف من غير نقل وبيان ودليل وبرهان بل بالحكم المجرد العاري عن الوجه المؤيد ونقل السائل كل مكروه حرام غير مستقيم عند علماء الأنام حيث قال علماء الأصول ومن جملتهم الكيداني في الفرق بين المكروه والحرام أن الحرام ما ثبت النهي فيه بلا معارض له وحكمه الثواب بالترك لله عز وجل والعقاب بالفعل وحكمه الكفر بالاستحلال في المتفق عليه وأما المكروه فقد قدمنا تعريفه ثم أعلم أن المكروه على نوعين تحريم وتنزيه وأختلفوا في الفرق بينهما فعند محمد أن ما منع عن الفعل بدليل قطعي فحرام وبظني فمكروه تحريما وما لم يمنع عنه وتركه اولى فتنزيه وعندهما أن منع منه فحرام وأن لم يمنع منه فإن كان إلى الحرام أقرب بإن أستحق فاعله محذورا كحرمان الشفاعة دون العقوبة بالنار فتحريم كلحم الفرس على الصحيح وأن كان إلى الحل قرب بأن لم يستحق فاعله محذورا وأثبت تاركه فتنزيه فالمكروه تحريما وتنزيها عندهما تنزيه عنده والتحريم عنده قسم من الحرام عندهما وهو ما منع عنه بدليل ظني فهذا تفصيل بيان المكروه والمحرم عند أئمتنا الثلاثة قال المحقق إبن الهمام الحرام مقابل بالغرض والمكروه تحريما مقابل بالواجب والمكروه تنزيها مقابل بالسنه فقول القائل كل مكروه حرام باطل قطعا إذ من جملة المكروه في المكروه التنزيهي وهو الذي تركه اولى من فعله فلا يصح أطلاق الحرام عليه على تقدير ثبوت الكراهة التنزيهية إلا بطريق المجاز وهو محموم المعنى اللغوي فإن الحرام جاء بمعنى الممنوع وهو في الجملة شامل للتنزيهي والتحريمي والحرام القطعي كما هو المعلوم ومع هذا إذا قال شخص لأمر مباح متفق عليه فضلا عن أن يكون مستحبا مجتمعا عليه أنه حرام ويدعي أنه أراد بالتحريم الكراهة التنزيهية فلا شك أنه لايقبل قوله فأنا نحن بحكم بالظواهر والله أعلم بالسرائر نعم هو بينه وبين الله غير معاقب عليه وقد تبين أن مسألتنا هذه ماهي من الفروعات المختلف فيها فان ما حققنا دل على أنها من المستحبات المتفق عليها وغاية العذر في حق غيره من المشايخ هو أن يقال ما وصل إليهم نقل صريح عن الأئمة ولا بلغهم حديث صحيح عن صاحب النبوة والا فكيف يسرع قسم أن يسمع بحديث في صحيح مسلم وغيره من الأصول المعتبره والكتب المعتمدة بالطرق المختلفة عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ويدري بنقل مثل الإمام محمد في موطأته حديثا صحيحا ثم يقول هذا قول أبي حنيفة وقولي ومع هذا عليه بقية العلماء المجتهدين والسلف الصالحين فيعدل عن هذا كله يجترئ على القول بنفي الأشارة أو أثبات الكراهة بلا حجة ودلالة وأما القول بالتحريم وأن كان عذره الظاهري أنه جهل لكن لايقبل هذا العذر عند ارباب العدل فإذا تبين لك المراد وظهر لك طريق السداد فعليك بمتابعة السنة والاقتداء برواته الأئمة وأياك والنظر إلى خلف الخلف مع مخالفتهم للسلف هدانا الله وأياكم إلى الطريق المستقيم والمنهج القويم والحمد لله العلي العظيم والصلاة والتسليم على رسوله الكريم وختمنا بالحسنى وبلغنا المقام الأسنى تمت نقلته من خط مؤلفه عاملنا الله بتلطفه .
صفحه ۴۷