بسم الله الرحمن الرحيم رب زدني علما كريما الحمد لله الذي خلق الخلق وصبرهم أزواجا وجعل لكل امة منهم شرعا ومنهاجا والصلاة والسلام على إمام الأنبياء وإمام الأصفياء الذي بدئ به الأشياء في عالم الأرواح وختم الأنبياء في عالم الأشباح مدارجا وأسري به إلى السماء وطوي له السواء معراجا وعلى أصحابه وأحبابه وأشياعه وأتباعه قرابة وذرية وازواجا أما بعد فيقول المفتقر إلى جود ربه الباري علي بن سلطان محمد القاري أن جماعة من علماء زماننا وفضلاء اواننا كتبوا رسائل وجعلوها وسائل لكل طالب وسائل في اقتداء الحنفية بالشافعية وما يتعلق بهذه القضية لكن خرج كل عن حد الأنتصاف ودخل في باب الأعتساف عند من نظر فيها بين الأنصاف حيث مال كل كل الميل عن جادة الطريق ولم يحقق المسئلة حق التحقيق حتى قال بعضهم الأقتداء بالمخالف اولى عند تعدد الجماعة وخالفه الآخر فقال الأنفراد أفضل من الأقتداء بالمواقف أيضا في تلك الساعة * بالخاطر الفاتاني اسلك مسلكا عدلا وسطا خاليا عن الأفراط والتفريط معرضا عن طرفي الأخلاط والتخبيط وأذكر فصولا مهمة في مسألة الجماعة وما أختلف فيه الأئمة وما اتفق عليه الأمة مما يدل عليه الكتاب والسنه فصل قال الله تعالى واركعوا مع الراكعين قد استدل كثير من أئمة الأمة بهذه الآية على وجوب الجماعة لأن العبرة بعموم اللفظ والمعنى لا بخصوص السبب الوارد في هذا المعنى فلا ينافيه أن الآية نزلت في حق اليهود والمعنى صلوا مع المصلين يعني محمدا والمسلمين وذكر بلفظ الركوع لأن الركوع ركن من اركان الصلاة فهو من باب أطلاق الجزء وارادة الكل وقيل لأن صلاة اليهود لم يكن فيها ركوع فكأنه قال صلوا صلاة ذات ركوع * صلاة المسلمين ففيه تنبيه على نسج ملتهم وأشارة إلى فمنهج طريقتهم وقال عز وقال لا أنا نحن نحي الموتى ونكتب ماقدموا وآثارهم قال قوم أي ضالهم إلى المسجد فعن أبي سعيد الخدري قال شكت هو مسلمه بعد منازلهم من المسجد فأنزل الله تعالى ونكتب ما قدموا وآثارهم قال فقال صلى الله عليه وسلم عليكم منازلكم فأنها تكتب آثاركم وفي رواية لمسلم دياركم دياركم تكتب آثاركم أي الزموها ولاتكرهوها فإن كلم بكل خطوة إلى المسجد درجة كما في رواية لمسلم عن جابر وأما الأحاديث والأخبار المرفوعة والموقوفه في هذا الباب فكثيره خارجه عن حدا مكان الاستيعاب فلنقصر على بعضها خوفا من الملاله الناشئة عن الأطناب منها صلاة الجماعة تفضل صلاة الغد بسبع وعشرين درجة رواه مالك وأحمد والشيخان والترمذي والنسائي وإبن ماجة عن إبن عمر والظاهر أن المراد به الكثره فلا ينافي في ما رواه مسلم عن أبي هريرة بلفظ صلاة الجماعة تعدل خمسا وعشرين صلاة الفذ وما رواه إبن ماجة عن أبي ولفظه صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاة الرجل وحده أربعا وعشرين درجة وما رواه الطبراني عن أبي مسعود صلاة الرجل في جماعة تزيد على صلاته وحده تسعة وعشرين صلاة وما رواه إبن ماجه عن أنس صلاة الرجل في بيته بصلاة وصلاته في مسجد القبائل بخمس وعشرين صلاة وصلاته في المسجد الذي يجمع فيه بخمسمائة وصلاة في مسجد الأقصى بخمسة الآف صلاة وصلاته في مسجدي هذا بخمسين ألف صلاة وصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة وقد روى أحمد عن أبي ذر اثنان خير من واحد وثلاثة خير من اثنين وأربعة خير من ثلاثة فعليكم بالجماعة فإنه لن تجمع أمتي الأعلى هدى وروى البيهقي عن عثمان لأن أصلى الصبح في جماعة أحب إلى من أن اصلي ليلة ولأن الي العشاء في جماعة احب إلى أن اصلي نصف ليلة ولعل وجه تخصيص الصلاتين لأنهما اثقل على النفس واشقها والأجر على قدر المشقه ولكونهما في وقت الغفله والراحه ولما في حضورهما من مخالفة المنافقين ولذا ورد لو يعلم الناس ما في العتمه والصبح لاتوهما ولم حبوا رواه الطبراني والحاكم والبيهقي عن إبن عمرو في رواية اثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لايوهما ولو حبوا ورواه أحمد وغيره عن إبن عمر من ارخ إلى مسجد الجماعة فخطوه بمحوله سيئة وخطوه * ذاهبا وراجعا وروى الحاكم عن إبن موسى من سمع النداء فارينا صحيحا فلم يجب فلا صلاة له أي كاملة وروى أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي والحاكم عن أبي الدرداء ما من ثلاثة في قرية ولا بد ولا يقام فيهم الصلاة الا استحوذ عليهم الشيطان فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية وفي رواية وعليكم بالجماعة والعامة والمسجد وورد في روايات متعددة لقد هممت أن أمر * فجمعوا آخر ما من حطب ثم اتى قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم غله فاحرقها عليهم وهذا رواية أبي داود والترمذي عن أبي هريرة فصل أجمع علماء الأمة على أن صلاة الجماعة مشروعة وأنه يجب فيها المجاهرة فأن امتنع أهل بلد أو قرية عنها قوتلوا عليها ليقوموا بها وأختلفوا هل الجماعة واجبة في الفرائض غير الجمعة فقال أصحاب أبي حنيفة أنها سنة مولدة وبه قال مالك وهو المشهور عن الشافعية ومن الشافعي على أنها فرض على الكفاية وهو الأصح عن المحققين من أصحابه وهو رواية عن أبي حنيفة وقال أحمد هي واجبة على الأعيان وليست شرطا في * الصلاة ولا من الأركان وقيل فرض عين ولعله عين مذهب أحمد وإنما الخلاف في العبادة وهذا خلاصه ما ذكره صاحب الرحمه في اختلاف الأمه وقال إبن الهمام حاصل الخلاف في المسئلة أنها فرض عين الا من عذر وهو قول أحمد وداود وعطاء وأبي ثور وعن إبن مسعود وأبي موسى الأشعري وغيرهما من سمع النداء ثم لم يجب فلا صلاة له وقيل على الكفاية وفي الغاية قال عليه مشايخنا أنها واجبة وفي المفيد أنها واجبة وتسميتها سنه لوجوبها وفي البدائع يجب على الفقراء البالغين الأحرار القادرين على الجماعة من غير حرج انتهى ولا منافاه بين الأقوال المذكورة والأخبار المسطوره في مقام التحقيق والله ولي التوفيق فصل وأعلم أن أختلاف الأئمة وتعدد الجماعة من الأمور الحادثة فأنه عليه السلام كان أماما للأنام ثم في مرض موته أمر الصديق أن يصلي بالناس فكان تصريحا بانه اولى بالأمامة وتلويحا بانه أحق الخلافه ثم قام مقامه في المحراب عمر بن الخطاب باشارة منه وموافقة لسائر الأصحاب وهكذا انتقل الإمام والخلافة إلى عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب بالأجماع ومنشأ الأختلاف في * إنما كان لبعض المواد الموجبه للنزاع وهكذا كانت بقية الصحابه كانوا أئمة ولم يختلف أحد عن الأقتداء بهم مع أنهم كانوا مختلفين في باب الرواية والدراية وذلك لأنه عليه السلام قال أصحابي كالنجوم بانهم اقتديتم اهتديتم أخرجه إبن ماجه على ما ذكره السيوطي في تخريج أحاديث الشفاء ويعقبه بعض العلماء بأنه لم يجد فيه مع البحث عنه وقد ذكره صاحب مشكوة المصابيح وقال أخرجه رزين وفي جامع الأصول عن إبن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سألت ربي عن اختلاف أصحابي من بعدي فاوحى إلى يا محمد أن أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء بعضهم أقوى من بعض ولكل نور فمن أخذ بشيء مما هم فيه من اختلافهم فهو عندي على هدى ثم أنه عليه السلام بنور الوحي أو ضياء الالهام عرف اختلاف الأنام فيما بعد الصحابه الكرام وأراد اجتماع الأمه وكره تفريق الجماعه فقال صلوا خلف كل بر وفاجر وصلوا على كل بر وفاجر وجاهدوا مع كل بر وفاجر رواه البيهقي عن أبي هريرة وإبن ماجه والدار قطني عن واثلة ولهذا كان السلف الصالح يقتدون بالفجره كيزيد والحجاج وزياد وسائر ارباب الظلم والفساد وكذا امراء بني امية منهم الوليد إبن المغيره لما ولاه عثمان إبن عفان رضي الله عنه الكوفه شرب الخمر وصلى الصبح سكرانا اربع ركعات وسأل الجماعة هل تصلي غيرها أو تكفيهم فمع هذا كله لم يجوز واترك الجماعة وهو على هذه الحاله محافظة عن التفرقة بين جماعة المسلمين لما ورد أن الجماعة رحمة والفرقة عقوبه ويشير اليه قوله تعالى وأعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا الآية وأستمر الأمر على ذلك في زمن أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وسائر المجتهدين هنالك فلم ينقل من أحد من الأئمة أن يمنع الأقتداء بالمخالف من أهل الملة وذلك لعدم قطعهم على أنهم على الصواب * وغيرهم على الخطأ لا محاله بل كانوا مجتهدين في أمر الدين طالبين للأولى في طريق المولى من جهة الفروع الفقهية كما يشير إليه حديث العلماء ورثة الأنبياء رواه أحمد والأربعة عن أبي الدرداء فالأئمة المجتهدون كالصحابة فمن اقتدى بهم اهتدى لأن اختلافهم راجع إلى اختلاف الصحابه يشير إليه قوله تعالى فسئلوا أهل الذكر أن كنتم لا تعلمون وظاهره أنه يجوز الأقتداء بالمفضول مع وجود الأفضل كما هو مذهبنا الحنبلي ويؤيده ما قال بعض مشايخنا من تبع عالما لما لقى الله سالما ولا شبهه أن تقليد الأفضل هو الأكمل ولذا ورد اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر وقال أحمد وطائفة تقليد المفضول مع وجود الفاضل هو وجه لبعض أصحابنا وهو الأظهر وبنى عليه ما قال بعضهم من أنه ينبغي للمقلد لأمام أن يعتقد أنه على الصواب ويحتمل الخطأ ومخالفة على الخطأ ويحتمل الصواب ومن هنا كل حزب بما لديهم فرحون ويستدلون وفق مايوافقهم ويصححون وقد علم كل اناس مدارج مشربهم وكل طائفة منهاج مذهبهم فصل ذهب عامة مشايخنا منهم شمس الأئمة الحلواني وشمس الأسلام والفقيه أبو الليث وصاحي الهداية وقاضي خان وغيرهم حتى ادعى بعضهم الأجماع على أنه يجوز الأقتداء بالمخالف إذا كان يحتاط في موضع الخلاف والا فلا والمعنى أنه يجوز في المراعي بلا كراهة وفي غيره مع الكراهة لا أنه يصح الاقتداء به وهذا القول مما لا شك فيه ولا شبهة فأن المخالف إذا راعى أختلاف الأئمة وخرج عن عهدة الخلاف الذي هو مستحب بالاجماع * صلاته صحيحه من غير النزاع يكون اولى من الموافق الذي لايحتاط إذ غاية أمره أن صلاته صحيحة عنده دون غيره وشتان بين الطريقين واحد اختار السادة الصوفية الصفيه هذه الطريقة الرضية لكن وجود هذا الأمام عزيز كالعنقاء فيها بين الأنام بل وجود من يراعى الجمع بين متفرقات مذهبه معدوم في هذه الأيام كما لايخفي على العلماء الأعلام ثم المواضع المهمة للمراعاة في حق المخالف أن يتوضأ من العضد والحجامه والقي والرعاف والقهقهة في الصلاة وأن لا يتوضأ من القلتين الواقع فيه النجاسة أو الغالب عليه الماء المستعمل وأن يغسل المني أو يفركه إذا كان قدرا مانعا وأن لاتقتصر في مسح الرأس على أقل من الربع بل يمسح كل الرأس خروجا عن خلاف مالك لاسيما وقد ثبت السنة بذلك وأن لايترك المضمضه والاستنشاق في غسل الجنابة ونحو ذلك مما يكون مبطلا لمذهب غير المخالف هنالك وأما مراعاة بعض الأفعال التي هي سنة عند المخالف ومكروهة عند غيره كرفع اليدين في حال الانتقال وكجهر البسملة واخفائها وبسط اليدين في القنوت ونحوها فهذا أو أمثاله مما لا يمكن الجمع بينهما ولا يتصور الخروج عن عهدة خلافهما فكل يتبع مذهبه ولا يمنع مشربه وقد أغرب صاحب الفتاوى الخانيه حيث قال إذا قال شافع المذهب الهي ما عرفناك حق معرفتك أو يقول أنا مؤمن أن شاء الله أو يقول العمل من الأيمان أو يقول الأيمان يزيد وينقص فلا تجزى الصلاة خلفه انتهى ولا يخفي أن هذا خلاف لفظي لا تحقيقي كما بينته في شرح الفقه الأكبر على أنه لا دخل لها في الفروع فأنها من مسائل الأصول وقد اجمعوا أن الأئمة الأربعة من اكابر أهل السنه والجماعة ولا خلاف أنهم على الصواب في باب الأعتقاد المبنى على الكتاب والسنه وإنما الخلاف في فروعهم بخلاف المبتدعه من نحو المعتزلة والقدر به والمرجئه وكذا من الغريب ما نقل عن الفقيه السمرقندي أنه إذا رأى الحنفي رجلا يأكل لحم الثعلب أو العنب ويعمل الحنفي المذهب لايجوز الأقتداء به إذا دخل لأكل اللحم المختلف في حله في باب الأقتداء إذ غايته أن يكون فاسقا بزعمه والأقتداء بالفاسق جائز اتفاقا ولعله أراد أنه لايجوز الأقتداء به من غير كراهه وإنما أطلق تغيرا عن الأقتداء في تلك الحاله وأما ماذكره صاحب المبسوط من أن الصلاة خلف الشافعي المذهب جائزة إذا كان لايميل عن القبلة فهذا الميل لايعرف من مذهبهم بل مذهبهم اضيف في هذه المسئلة من غيرهم فأنهم يشترطون أصابة عين الكعبة ولا يكتفون بتحري الجهة وأما ما ذكره أيضا من أنه لا يكون متعصبا ففيه أن غاية تعصبه أنه موجب لفسقه على أن هذا أيضا مذموم من غيره فصل وذهب جماعة أنه يجوز الأقتداء به إذا لم يعلم منه هذه الأشياء يتعين وأن علم لا وهذا القول صححه جواهر زاده ويؤيده ما قال شيخ الأسلام من انه لو شاهد احتجامه ولم يتوضأ وغسل موضع الحجامه الصحيح أنه لايجوز الأقتداء به ولو شاهد ذلك وغاب عنه ثم رآه يصلى الصحيح أنه يجوز الأقتداء به انتهى وهذا بناء على حسن الظن في حقه وفي الفتاوى الغياثيه والمختار أنه إذا لم يعلم منه شيء من هذه الأشياء يجوز الأقتداء به من غير كراهة لأن الأصل عدمها أي عدم وجودها وهذا الأطلاق يفيد أنه إذا عرف من حاله أنه لم يحفظ مواضع الخلاف يجوز الأقتداء به وهذا القول اعدل الأقوال والله أعلم بحقيقة الأحوال وقد صرح العلامة إبراهيم الحلبي شارح الميتة بأن الأقتداء بالمخالف في الفروع كالشافعي يجوز ما لم يعلم منه ما يفسد الصلاة على اعتقاد المقتدى وعليه الأجماع وإنما الخلاف في الكراهة فصل قال أبو اليسر اقتداء الحنفي بالشافعي غير جايز لما روى مكحول النسفي أن رفع اليدين في الصلاة عند الركوع والرفع منه مفسد لأنه عمل كثير قال إبن الهمام وأخذ صاحب الهداية الجواز خلفهم من جهة الرواية وتقدم هذه لشذوذ تلك وقد صرح بشذوذها في النهاية والمختار في تفسير العمل الكثير ما لو راه شخص من بعيد ظنه أنه ليس في الصلاة انتهى وفي الذخيرة رفع اليدين لا يفسد الصلاة وكذا في جامع الفتاوى لأن مفسدها مالم يعرف قربه عنها ورفع اليدين في الوتر والعيدين سنه أجماعا وقد ذكر العلامة أبو بكر إبن الحداد في السراج الوهاج أنه قد أستبدل أصحابنا على جواز الأقتداء بمن خالفنا في المذهب بمسائل منها أنه لو اقتدى بمن قنت في الفجر قال أبو حنيفة ومحمد يسكت المقتدى ولا يتابعه وقال أبو يوسف يتابعه لأنه تبع الأمامه وهو مجتهد فيه ثم عندهما يقف قائما لتتابعه فيما يجب متابعته وخافهما بعض من لا فقه له وقال يقعد أو يسجد تحقيقا للمخالفة وعلى هذا إذا كبر خمسا في الجنازة فعندهما لا يتابعه في الخامسة وإذا لم يتابعه قال بعضهم يسكت لئلا نصير مخالفا لامامه فما هو مشروع وقال بعضهم يسلم قبله والصواب أنه يسكت وكذا الحكم في ما إذا زاد في صلاة العيد على ثلاث تكبيرات فعلى قولهما يسكت وعلى قول أبي يوسف يتابعه إلا أنه ينبغي أن لا يرفع يديه اتفاقا فصل وذهب بعضهم أنه يجوز مطلقا قياسا على قول أبي بكر الرازي فانه قال أن اقتداء الخفي بمن يسلم على رأس الركعتين في الوتر يجوز ويصلي معه بقية لأن امامه لم يخرج بسلامه عنده لأنه مجتهد فيه كما لو اقتدى بمن رعف وخالفه جمهور المشايخ قال الشيخ كمال الدين شارح الهداية وكان شيخنا سراج الدين يعتقد قول الرازي وأنكروه أن يكون فساد الصلاة بذلك مرويا عن المتقدمين حتى ذكرته بمسئلة الجامع في الذين تحروا في الليلة المظلمة وصلى كل إلى جهة مقتدين باحدهم فان جواب المسئله أن من علم منهم بحال امامهم فسدت صلاته لاعتقاده أن امامه على الخطأ انتهى واجيب عن هذا بان فساد صلاة المقتدى في مسئلة التحري لا يستلزم فساد صلاته فيما ذكره الرازي لأن المقتدى في الصورة الأولى يعتقدان امامه أخطأ فيما هو قطعي الثبوت في الصلاة وهو استقبال القبله وفي الثانية يعتقدان أمامه أخطأ في أمر ظني مجتهد فيه فستان ما بينهما فصل وذهب بعض علمائنا إلى أنه إذا احتاط جميع مواضع الخلاف يكره الأقتداء به أيضا ففي الفتاوى الغياثيه من مشايخنا من قال الأولى أن لايصلي خلفه وفي الفتاوى الخانيه ومع هذا لو صلى خلفه كان مسئاو في الكفاية ومفتاح السعاده يجوز مع الكراهة ولعل وجهه ما ذكره بعض الشافعية حيث قال لايصح اقتداء الشافعي بالحنفي وهذا قول ساقط الأعتبار حيث يرده ما ورد فيه الأخبار لأنه عليه السلام علم أصحابه الكرام أفعال الصلاة قولا وعملا على وجه الأبهام من غير أن يبين لهم أن هذا فرض وهذا واجب وهذا سنة وهذا شرط وهذا ركن ولو كان العلم بتفصيل الأعمال واجبا لبينه عليه السلام لأمته لأنه مبين لما هو متعين في ملته ولما وقع أختلاف المجتهدين في فروع شريعته ولعل الحكمه في ذلك ما أشار إليه بقوله عليه السلام أختلاف أمتي رحمه ذكره نصر المقدسي في الحجه والبيهقي في الرسالة الاشعرية بغير سند واورده الحكيم والقاضي حسين وأمام الحرمين وغيرهم ولعله خرج في بعض كتب الحفاظ التي لم يصل إلينا كذا ذكره شيخ مشايخنا جلال الدين السيوطي في جامعه الصغير واعرب الملا محيي الدين في رسالته حيث قال ذكره الحافظ السيوطي في جامعه الصغير نقلا من أصحاب الصحاح وأنت ترى أنه لايوجد له سند ضعيف فضلا أن ينسب إلى أصحاب الصحاح المراد بهم أصحاب الكتب السنه فصل وقد كره تكرار الجماعه عندنا وبه قال مالك والشافعي في الأصح خلافا لأحمد ثم أختلف علماؤنا فكرهه بعضهم كراهة التحريم ففي الكافي تكرار الجماعة لايجوز في شرح المنظومة والجمع لايباح وفي شرح الجامع الصغير بدعه وفي بعض الكتب يجوز تكرار الجماعه بلا اذان ولا اقامه ثابته اتفاقا وفي بعضها اجماعا بلا كراهة قال في شرح الدرر وهو الصحيح وقد روى عن أبي يوسف أنه لم ير بأسا في الصلاة في المسجد مره بعد آخرى إذا لم يقم الإمام في موضع الإمام الأول وهذا هو الذي دل عليه العمل فينبغي أن يكون هو المعول وفي القنية أهل المحله قسموا المسجد وضربوا فيه حايطا ولكل منهم إمام على حده ومودتهم واحد لابأس به انتهى وهذه أقرب الروايات الى صنيع القوم اليوم فأن الجهات الأربع بمنزلة مساجد ولهذا قال تعالى في حق المسجد الحرام إنما يعمر مساجد الله بصيغة الجمع هذا وقد صرح في المجمع وشروحه نقلا عن المشايخ من أن الصلاة مع الجماعة الثانية في مسجد له جماعة خاصة بتكرار الأذان والأقامة مكروهه وأما المسجد على الشارع أو المسجد الجامع فيرد عليه ناس بعد ناس فلا كراهة في التكرار ولو بجماعة كثيرة وقال شارح المبنيه هذا عندهما وأما عند أبي حنيفة لو كانت الجماعة الثانية أكثر من ثلاثة تكره والا فلا وعن أبي يوسف إذا لم يكن على هيئة الأولى لايكره وهو الصحيح وبالعدول عن المحراب يختلف الهيئة كذا في البزازية وهذا كله إذا كان تكرار الجماعه على مذهب واحد وأما إذا تكررت الجماعة لاختلاف الأئمة فلا وجه للكراهه أصلا ولا سمعنا في المسئله نقلا وأما دعوى بعضهم من أنه قد اجمع العلماء من المذاهب الأربعة على كراهته بل على حرمته فباطله لبس تحتها طائلة ومن المعلوم أن الأصل في كل مسألة هو الصحة من غير الكراهة وأما القول بالفساد أو الكراهة فحتاج إلى حجة من الكتاب أو السنه أو أجماع الأمة فمن ادعى أثبات هذا الشأن فعليه بالبيان في ميدان التبيان وما بعد من قال بكراهة التكرار يشد فيه الأنكار وجعله في حكم مسجد الضرار وهذا جهل منه بعلم التفسير وما قصد أهل ذلك المسجد من الفساد والنكير وقد أجمع العلماء على استحباب تعدد المساجد في المحلات ليسعهم الأجتماع في سائر الحالات وإنما قلنا الكراهة محموله على تكرار الجماعة إذا لم يكن على وجه المخالفة بخلاف وما ابتلى به أهل الحرمين وغيرهم من أختلاف الإمامين فإن الكلام فيه محتاج إلى تفصيل برفع النزاع من البين فأعلم أنه لم يكن تعدد الجماعة في الازمنة السابقة لعدم ظهور التعصب في علماء الأمة فكان الأمام في المسجد الحرام وسائر البقع العظام أما حنفيا أو مالكيا بحسب غالب الأنام والعليل يتبع الكثير في تلك الأيام تم لما ظهر الشافعي وأنتشر مذهبه في بعض الأماكن الكرام وغلب اتباعه على غيرهم أما كثرة أو شوكة قدموا أمامهم منهم وفق مرامهم فيهم وكان يقتدى به من وجد من غيرهم واستمر الأمر على ذلك إلى أن نشأ التعصب من الطرفين هنالك حتى قال بعضهم يكره الصلاة خلف المخالف ولو راعى المذاهب وقال بعضهم لايصح مطلقا في جميع المراتب فنشأ الاختلاف على هذا الخلاف فاختار كل طائفة أن يصلوا بمن يوافقه في المذهب ويلائمه في المشرب فهذا وأن كان يدعه إلا أنها حسنه وبحسب النقول المتفاوته في مراتب العقول مستحسنه وقد روى عن إبن مسعود رضي الله عنه ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ومما يدل على استحسان هذا التعدد أنه لو استمر التفرد وراى بعض الحنفية أمام الشافعية أنه رعف ولم يتوضأ استنكف وصلى منفردا أما في المسجد وهو محذور أو في بيته وهو محظور وكذا إذا رأى شافعي إمام الحنفية أنه لمس أمرأة ولم يتعرضا استنكف وجرى أحد المنكرين المذكور فهذا تبين أن هذا رحمه بالنسبه إلى عموم الأمه وأندفع قول ملا رحمه الله رحمه الله أن هذا الوجه الذي يصلون عليه في الحرمين الشريفين مكروه بالأتفاق اللهم إلا أن يريد بالكراهة التنزيه * عنه بأنه خلاف الأولى فأن الأولى من جهة الأخرة والأولى أن يتفق المسلمون على إمام واحد يكون اقرأ وأعلم وأروع وأسن مراعيا لمواضع الخلاف قدر ما أمكن ولكن مثل هذا الأمر متعسر بل متعذر لظهور أهل أو خلاف في هذا الشأن حيث يأخذون المناصب العليه من غير استحقاق في القضية فترى واحدا منهم يتقدم ويضع اليسرى على اليمنى أما جهالة بالمسئلة وأما غفلة في تلك الحاله وربما يكون امرد صبيح الوجه والملاحه وأمثال ذلك طلبا للوظيفة المحرمه هنالك وأما قوله رحمه الله أن الأنفراد افضل هذه الجماعة المكروهة فما أبعده عن التحقيق فأنه كيف ترك السنه الموكده بل الواجبه بل فرض الكفاية بل فرض العين على الأعيان لكونه من شعائر أهل الأيمان لوقوع تكرار جماعة من أهل العلم والأتقان وأي محذور في ذلك وأي محظور ترتب على ما هنالك حتى يكون الأنفراد المحرم الذي أقوى المنكرات ومن شعائر أهل البدع والنفاق وأرباب البطالات أفضل من تكثير الطاعات وتعدد الجماعات لاسيما إذا اقتدى كل طائفة خلف من اختار من الأئمه والله ولي دينه وناصر سنه * فصل وأعلم أنه لايوجد الصلاة بلا كراهة في هذه المدة مع أحد من الأئمة أعم من أن يكون من الجماعة الموافقة أو من الطائفة المخالفة لكن لا يقال أن الأنفرا اولى لأنه يؤدي إلى ترك شعار الأسلام الذي أجمع العلماء الأعلام أنه فرض على الأنام فإذا كان الأمر كذلك فالمخلص عن الأختلاف فما هنالك أن يصلي كل صاحب مذهب إلى إمام يوافقه ويراعي شرائط مذهبه وفرائضه وسننه وآدابه وأما القول بأنه على تقدير تعدد الجماعة فالاقتداء بالأولى اولى فلا يصح على أطلاقه فإنه لو فرض أمامان حنفيان ويصلي أحدهما في الصبح من الغبش وثانيهما يؤخره إلى الأسفار فإن الأقتداء بالثاني اولى كما لا يخفي على العلماء الأبرار حيث راعى سنة سيد الأخيار وهو قوله عليه السلام اسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر رواه الترمذي والنسائي وإبن حبان عن رافع وهو لا ينافي قوله عليه السلام أول الوقت رضوان الله لأن المراد به أول وقت المختار جمعا بين الأخبار وبهذا يندفع قول بعض علمائنا المائل إلى أن الجماعة الأولى اولى مطلقا حيث علل بأن الله سبحانه مدح أنبيائه بأنهم كانوا يسارعون في الخيرات والوقت سيف قاطع والعمر لا اعتماد عليه والمؤمن ينبغي له أن يحسب كل نفس من انفاسه آخر عهده من الدنيا ويغتنم عافيته وعدم حلول المانع بينه وبين اداء ما فرض الله عليه وفي التأخير افات وقد غفل عن ماورد في مذهبه عن الرواية وذهل عما جاء في تأخير بعض الصلوات زمن الدراية كالحديث المتقدم وكحديث ابردوا بالظهر فإن شدة من قيح جهنم أخرجه جماعة من المخرجين عن جماعة من الصحابة وكحديث لولا أن شق على أمتي لأخرت صلاة العشاء إلى ثلث الليل رواه جماعة على أنه قد ورد أن القاعد في المسجد ينتظر الصلاة كالقانت رواه إبن المبارك والحاصل أن أئمتنا اختاروا تأخير صلاتهم عن الشافعية لهذه الأحاديث الواردة في القضية وكذا في العصر لأن في تأخيره خروجا عن خلاف في تعيين وقته بخلاف صلاة المغرب فأن أفضل اوقاتها اولها أجماعا بل أن وقته مضيق في مذهب مالك وقول للشافعي كذلك ولهذا اكابرا لمالكيه يقتدون بالحنفية في المغرب والشافعية لتعصبهم ما يراعون افضليه الوقت هنا ولا الخروج عن عهدة الخلاف مع أنه مستحب بالأجماع فالعجب كل العجب من بعض الحنفية حيث اطلقوا بان الجماعة الأولى هي الأولى مستدلين بقوله عليه السلام إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة الا المكتوبه رواه مسلم والأربعة عن أبي هريرة ولم يدروا أن محمول على نفي الكمال لا على نفي الصحة وأن محله إذا كان يخاف فوت الجماعة بالكلية كما صرح به الهداية وأما إذا امكنه أن يصلي سنة الفجر ويدرك الركعة الثانية بل التشهد فيصلها ثم يقتدى والحاصل كما قال إبن الهمام أنه إذا أمكن الجمع بين الفضيلتين ارتكب والأرجح وفضيلة الفرض بجماعة أعظم من فضيلة ركعتي الفجر لأنها تفضل الفرض منفردا بسبع وعشرين ضعفا لا يبلغ ركعنا الفجر ضعفا واحدا منها لأنها اضعاف الغرض والوعيد على الترك للجماعة الزم منه على ركعتي الفجر انتهى ولا يخفي أنه إذا اقمت الصلاة إلا أنها ليست على وجه السنه بل على جهة الكراهة وتتوقع اقامة الصلاة شارحه الفضيله فلا يكره تأخيرها لأدراك ما هو الأكمل فتأمل ويؤيده ما في * مسجد دخل بعض أهله فاذنوا واقاموا فيه على المخافته ثم حضر الباقون لهم أن يصلوا بجماعة لأنها ما اقيمت على وجه السنه باظهار الأذان فلم يبطل حق الباقين انتهى وأما ما في الخلاصة ويكره التطوع في المسجد والناس في المكتوبه فمحمول على أنه إذا كانت الجماعة غير متعدده لأن فيه الأعراض عن الجماعة وشبهه مشابهة أهل البدعه بل الأولى في حقه بعد اقامة الصبح أن يصلي التطوع في بيته أو على باب المسجد أو في آواخر المسجد أو وراء اسطوانه بحيث لم يطلع عليه كل أحد لأنه أبعد من التهمة وأما إذا كانت الأئمة متعددة والمذاهب مختلفة ولا يتوهم ذلك فيستوي أن يصلي عند اقامة المخالف أو يقعد منتظرا لاقامة الموافق والله الموفق فصل اغرب بعض علمائنا أنه ذكر ههنا عن بعض أئمتنا أنه إذا شرع في الغرض واقيمت الجماعة يقطع ويدخل معهم ففي الحدادي صلى من الفجر ركعة ثم اقيمت يقطع ويدخل معهم وكذا إذا قام إلى الثانية قبل أن يقيدها بسجده فأنه يقطع ولأنه قال عليه السلام إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام رواه مسلم والترمذي عن علي ومعاذ رضي الله عنهما انتهى ولا تخفى أنه لا دخل لي هنا فأن المعنى من شرع في فرض منفرد أو اقمت الجماعة يجوز أن يقطع ويدخل معهم ليدرك فضيلة الجماعة بقطعها قال صاحب الهداية هذا القطع للأكمال يعني هو تفويت وصف الفرضيه لتحصيله بوجه أكمل في القضية فصار كمن هدم مسجد آخر بالبينيه جديدا والا فقد قال تعالى ولا تبطلوا أعمالكم ومنه قال علماؤنا لزم النفل بالشروع فإذا كان حكم الفرض هكذا فالنفل بالاولى إلا أن محله إذا خاف فوت الجماعة بالكليه وقد قال إبن الهمام جواب المسئله مقيد بما إذا أتحد مسجدها فلو كانت يصلي في البيت مثلا فاقيمت الصلاة في المسجد أو في المسجد فاقيمت الصلاة في مسجد آخر لايقطع مطلقا ذكره المرغيناني فصل خلاصة الكلام في هذا المقام أنه لم يرد عنه عليه السلام ولا عن أحد من أصحابه الكرام ولا عن أحد من الأئمة الأعلام أنه لا يجوز الأقتداء بالمخالف أو يكره بل ورد صلوا خلف كل بر وفاجر وهو بظاهره بفيد التعميم وإنما وقع أختلاف مشايخ الإسلام بحسب ما ظهر لهم من الرأي في هذا المرام ولا يبعد أن يجمع بين ما وقع لهم من المتفرقات في الوايات بحسب أختلاف الحالات وأن يقال من قال بعدم الجواز أراد من غير الكراهه ومن قال بالكراهة أراد التنزيه المعبر عنه بخلاف الأولى أو محمول على أنه إذا شاهد من المخالف ما يعتقد المقتدى فساد صلاته فإن المذهب الصحيح الذي عليه الجمهور هو أن العبره في جواز الصلاة وعدمه لرأي المقتدى في حق نفسه لا لرأي أمامه فإن صلى به يعيد كما صرح به الصدر الشهيد وأما إذا كان شاهد من الإمام ما يفسد الصلاة عنده دون المقتدى لمس المرأة أو الذكر فالأكثر على أنه يجوز وهو الأصح ومختار الهند وأني وجماعه أنه لايجوز لأن اعتقاد الإمام أنه ليس في الصلاة ولانباء على المعدوم ثم هذا أكله في الفرايض وأما النوافل فأمرها أوسع من جهة الرواية والدراية ولم أر من صرح بالمنع أو الكراهة بل في المتون المصححه وردت العبارات المصرحه بأنه يجوز اقتداء المتنفل بالمفترض والنفل يشمل السنن الموكده والمستحبه لكما يدل عليه المقابله وقد سمعت شيخنا بدر الدين الشهاوي الحنفي المفتي بالحرم المكي أن الأقتداء نفلا لايكره أصلا وأماما ذكره رحمه الله رحمه الله من أنه لايخلو عن الفساد أو الكراهة فغير مطابق للرواية ولا موافق للدراية فصل وأنا ابين لك تفصيلا حسنا في هذه المسئلة مما ينبغي أن يفعل الحنفي مع الشافعي في الصلوات الخمس واحده بعد واحده أما صلاة الصبح فالأولى في حقه كما في حق غيره أن يصلي سنته ثم يدخل المسجد ويشرع في الطواف أن قدر عليه والا فيدخل المسجد ويصلي السنه ليقوم مقام التحية ويقعد بعيدا عن صف الشافعية لئلا يكون قاطعا عنهم ما يتعلق باتصال الصف من الفضيلة وظاهر اطلاقات الروايات أنه يجوز أن يقتدى بالشافعي سنة الفجر إلا أن الأظهر أنه لايخلو عن كراهة لأنها أقوى السنن بل قيل أنها واحيه ويؤيده ما روى الحسن عن أبي حنيفة لو صلاها قاعدا من غير عذر لايجوز وقالوا العالم إذا صار مرجعا للفتوى جاز له ترك سائر السنن لحاجة الناس الا سنة الفجر لأنها أقوى السنن أي فيكون قريبا من الواجب وأما ما يفعله بعض من يدعي أنه الفضلاء أو يتوهم أنه من الفقهاء من الأقتداء بالشافعي أو لا بالغرض ثم يقيده مع الحنفي ويظن أنه اولى وأنه في المقام الأعلى فوهم منه وغفله عن الرواية والدراية فأنه لايخلو كل واحدة من صلاتيه عن الكراهة أما الأولى فلكون امامه مخالفا غير مراع ومع هذا تارك للأسفار الذي صح في حقه الفضيله وأما الثانية فلأنها أما أعادة للغرض وأما على وجه النفل وكلاهما مكروه عندنا أما دليل الأول فما رواه أبو داود والنسائي عن سليمان بن يسار قال اتيت * على البلاط وهم يصلون قلت الا تصلي معهم قد صليت أني سمعت رسول الله يقول لاتصلوا صلاة في يوم مرتين وروى مالك في الموطأ حدثنا نافع أن رجلا سأل إبن عمر فقال أني أصلي في بيتي ثم أدرك الصلاة مع الإمام أنا صلى معه فقال إبن عمر نعم قال فهذا من إبن عمر دليل على أن الذي روى عن سليمان بن يسار عنه إنما أراد كلتاهما على وجه الفرض أو إذا صلى جماعة فلا يعيد انتهى ولا يبعد أن يراد بالنفي اعادة الصلاة نفلا إذا كان الوقت مكروها كصلاة الصبح والعصر وبالجواز إذا كان الوقت غير مكروه كالظهر والعشاء ويؤيده ما رواه إبن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال قال عمر رضي الله عنه لايصلي بعد صلاة مثلها وفي رواية عن إبن مسعود لا يصلي على أثر صلاة مثلها قال إبن الهمام وفيه نفي لقول الشافعية باباحة الأعادة مطلقا وأن صلاها في جماعه وقد روى أبو داود والترمذي والنسائي عن يزيد بن الأسود قال شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فصليت معه الصبح في مسجد الحنيف فلما قضى الصلاة إذا هو برجلين في آخرى القوم لم يصليا معه عليه السلام فقال صلى الله عليه وسلم على بهما فاتيت بهما ترعد * قال ما منعكما أن تصليا معنا فالا يارسول الله أنا كنا صلينا في رحالنا قال فلا تفعلا إذا صليتما في رحاتكما ثم اتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فأنها لكما نافله رواه الترمذي وقال حسن صحيح قال إبن الهمام إلا أن النهي عن النفل بعد فرض الصبح وعدم مشروعية النفل بالوتر مخالفة الإمام اللازم بزيادة ركعة في المغرب عارض اطلاقه ومورده فبقى في الظهر والعشاء سالما عن المعارض فيعمل به في الوقتين فقط وأما دليل الثانية وهي أداء النافله في الأوقات المكروهة فاشهر مما يذكر وأكثر مما يحصر وأما قول بعضهم أنا أصلي الفرض مع الشافعي وهو * اديت مع الكراهة ثم أعبدها فما ابعده عن الفقه لأنهم قالوا كل صلاة اديت على قرب الكراهة تعاد على غير وجه الكراهة والأعادة في وقت الكراهة أشد من كل كراهة على أن مرادهم أنه من يقع منه كراهة بغير اختياره يعيدها جبرا لأنكساره وليس معناه أنه يتعمد الكراهة ثم يعيدها لدفع الملامه فأن من مثله حينئذ مثل من خلط نفسه أو ثوبه بالنجاسة ثم يشتغل بعده بالطهارة ثم أقل مراتب الكراهة أن يكون ترك اولى من فعلها والحاصل أن الشروع في الصلاة مع احتمال الفساد أو الكراهة في غاية من القباحة لما فيه من تعريض العمل على البطلان أو النقصان * الأحتراس في هذا الزمان لاسيما لارباب العلم وأصحاب الشأن وأما صلاة الظهر فالأولى في حق الحنفي أن يصلي السنة المؤكدة مفرده ثم يقتدى بالشافعي نفلا ليخرج عن عهدة الكراهة يدرك فضيلة الجماعة ولو أقتصر على أن اقتدى السنه بفرض الشافعي فهو وجه وجيه أيضا وكذا يستحسن أن اقتدى بالشافعي فرضا ثم بالحنفي نفلا ويشير إليه قوله صلى الله عليه وسلم إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإمام فليصل فأنها له نافله رواه أبو داود والحاكم في مستدركه والبيهقي في السنن عن يزيد بن الأسود وأما أنه يصلى مع الشافعي فرضا ويكتفي به فلا فضيلة فيه أصلا وأن كان عمل به بعض علمائنا إذ لا عبرة بافعال علماء هذا الزمان لاسيما وقد خالفهم جمهور أهل هذا الشأن ولو اكتفى أحد بالأقتداء بالحنفي فلا يكره في حقه وأماما رواه مالك والشافعي والنسائي وإبن حبان في صحيحه عن محجن بن الادرع عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا جيئت فصل مع الناس وأن كنت قد صليت فمعناه صل مع الإمام نفلا وأن كنت قد صليت الفرض في بيتك منفردا وذلك لئلا يشابه المنافقين ومن في معناهم من المبتدعين في ترك الجماعة التي هي مدار مذهب أهل السنه وقد ورد في رواية الطبراني في الكبرى عن محجن قال عليه السلام مامنعك أن تصلي مع الناس الست برحل مسلم إذا جئت فصل مع الناس وأن كنت قد صليت وهذا اكله لما كانت الجماعة مفرده وأما حيث وجدت متعدده وصلى مع الأولى أو الثانيه فالملأ فيه عنه مرفوعة والمذمه عنه مدفوعه بالكليه وأما صلاة العصر فسنته القبلية مستحبه وهي قريبة من النافلة فينبغي أن يقتدى فيها بالشافعي ثم يصلي الغرض بالحنفي وعكس هذا متعذر هنا لدخول وقت الكراهة عندنا وأما ما كان يفعله بعض علمائنا من اقتداء الغرض بالشافعي اولا فمحمول على الجواز لا أنه افضل كما توهم بعضهم فأن العامة ما وافقهم بل كرهوا عملهم وأستدلوا به على نقصان علمهم أو حملوا على وقوع ضرورة في حقهم أو على تبيين الجواز لغيرهم ونحو ذلك مما يوجب تحسين الظن بهم وأما ما أخرجه عبد الرزاق عن محجن قال صليت الظهر أو العصر في بيتي ثم جئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجلست عنده فاقيمت الصلاة فصلى النبي صلى الله عليه وسلم ولم أصل فلما أنصرف قال البيت بمسلم قلت بلى قال فما بالك لم تضل قلت أني صليت في رحلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة وأن كنت قد صليت فمحمول على ما تقدم والظاهر أن الشك لغيره وعلى تقدير وقوعه منه وثبوت فرض رواته العصر عنه فجوابه أنه لعله قبل ورود النهي عن النوافل بعد العصر وأما صلاة المغرب فيتعين أن يصلي الفرض مع الحنفي ويمتنع مطلقا أن يقتدى بعده بالشافعي اما بنية الفرض فلما تقدم من كراهة الأعادة وأما بنية النفل فقد صرح قاضي خان في شرح الجامع بتحريم الفعل بثلاث في المغرب وكذا تحريم مخالفة الإمام أن ضم رابعه وما أبعد رأى من قال نقلد مذهب الشافعي ونقتدى ثانيا حيث لا كراهة في الاعاده عندهم ولم يدر هذا المسكين أنه إذا قلدهم ولم يراع جميع شرايط صلاتهم ولم يعتقد وجوب فرايضهم لم يصح صلاته فهؤلاء هنالك كالمذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء لكن إذا دخل المسجد وفرغ إمام الحنفية واقيمت الصلاة لإمام الشافعية فيقتدى به ولا يصلي منفردا إذ لا عبرة يقول من قال من الحنفية والشافعية أيضا أن الأنفراد أفضل من الصلاة خلف المخالف فأنه قول ساقط الأعتبار عند جميع العلماء الأبرار ومعارض للكتاب والسنه والآثار وأما صلاة العشاء فسنته القبليه مستحبه فالأولى أن يقتدى بالشافعي بنية السنة أو النافلة أو بنية مطلقة ليدرك فضيلة الجماعة ثم يصلي مع الحنفي الفريضة ومما يستأنس به في هذا المقام حديث معاذ رضي الله عنه فأنه كان يصلي وراء النبي عليه السلام العشاء ثم كان يؤم به قومه فحمله علماؤنا منهم الإمام الزيلعي شارح الكنز أن صلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم كانت نافله ومع قومه فريضه وبهذا كان بجمع بين فضيله الصلاة خلف النبي عليه السلام وبين فضيلة اقامة الجماعة مع قومه في المقام فالمراد بقوله صلى الله عليه وسلم إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة إنما هو النهي عن الأنفراد وفوت فضيله الجماعة وما أختاره علماؤنا في تأويل الحديث المتقدم اولى من حمل غيرهم على أنه كان يصلي مع النبي عليه السلام فرضا ويؤم بقومه نفلا وأستدلوا به على جواز اقتداء المفترض بالمتنفل على أنه مع وجود الأحتمال لايصح الأستدلال ثم حمل فعل الصحابة على المتفق عليه اولى من المختلف فيه فصل خلاصة الرسالة وزيده المقاله أنه يجوز الأقتداء بالشافعي إذا لم يعلم يقينا منه في العمل المنافي من غير كراهة بالإجماع من عمدة ارباب النقول وزبده أصحاب العقول وأن الأفضل هو الأقتداء بالموافق سواء تأخرا وتقدم على ما استحسنه عامة المسلمين وعمل به جمهور المؤمنين من أهل الحرمين والقدس الشريف ومصر والشام وغيرها من بعض برد الشام ولا عبرة بمن شذ منهم وأنفرد عنهم وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم فما رواه الترمذي عن إبن عمر رضي الله عنهما أن الله تعالى لا بجمع امتي على ضلالة وبدا أنه على الجماعة ومن شذ شذ إلى النار فاختلافهم رحمة لا جهالة بخلاف أختلاف الأمم السالفة فأن أختلافهم كان علي ضلالة ومن ثم روى أختلاف امتي رحمة فمعنى قوله تعالى ولا يزالون مختلفين أي اختلافا يوجب النقمه الا من * ربك من هذه الأمة فأن أختلافهم يقتضي الرحمة ويترتب عليه من يد النعمة إذ ربما يريد أحد منهم الصلاة في اول اوقاتها ويريدها الآخر في أفضل ساعاتها وربما يكون أحد حاضر فيصلي بالأمام الأول وربما يكون غائبيا فيقتدى يالإمام الآخر فيدرك كل ثواب الجماعة وربما يرجح الأقتداء بالإمام المتقدم فيتقدم وربما يرى بالإمام المتاخر اولى فيتأخر فكل مثاب على تصده فتدبر ودع كثرة التعصب وقلة التأدب فأن الأئمة المجتهدين كلهم على سبق قدم في الدين وأنهم عمدة أهل السنة والجماعة والكل متمسكون بالكتاب والسنة والصواب والخطأ منهم مبهم في حقهم غير مقطوع بالنسبة إلى أحدهم فرضى الله عنهم وعن اتباعهم واشياعهم إلى يوم الدين وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
صفحه ۲۰۲