رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

اخوان الصفا d. 375 AH
57

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

رسائل اخوان الصفاء و خلان الوفاء

ژانرها

وكانوا يلحنون مع نقرات تلك الأوتار كلمات وأبياتا موزونة قد ألفت في هذا المعنى ووصف فيها نعيم عالم الأرواح ولذات أهله وسرورهم، كما يقرأ غزاة المسلمين عند النفير آيات من القرآن أنزلت في هذا المعنى لترقق القلوب، وتشوق النفوس إلى عالم الأرواح ونعيم الجنان؛ مثل قوله تعالى: @QUR033 إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وأخوات هذه الآيات من القرآن، وكما ينشد غزاة المسلمين عند اللقاء أيضا أو الحملة على الهيجاء ما قيل من أبيات الشعر في وصف الحور العين ونعيم الجنان مما يشوق النفوس إلى هناك، أو يشجع على الإقدام، بالعربية والفارسية، نحو قول الشاعر:

أبت لي عفتي وأبى بلائي

وأخذي الحمد بالثمن الربيح وإقدامي على المكروه نفسي

وضربي هامة البطل المشيح وقولي كلما جشأت وجاشت

مكانك تحمدي أوتستريحي لأدفع عن مآثر صالحات

وأحمي بعد عن عرض صحيح

وقول الشاعر الفارسي:

بيا تادل وجان بخد أوند سباريم

أندوه درم وغم دينارنه داريم جان رازبي دين وديانت بفروشيم

وأين عمر فنار أبره غزو كذاريم

فأما الأشعار التي كان الحكماء الإلهيون يلحنونها عند استعمالهم الموسيقى في الهياكل وبيوت العبادات؛ لترقيق القلوب القاسية وتنبيه النفوس الساهية من نومة الغفلة، والأرواح اللاهية في رقدة الجهالة، ولتشويقها إلى عالمها الروحاني ومحلها النوراني، ودارها الحيوانية؛ ولإخراجها من عالم الكون والفساد، ولتخليصها من غرق بحر الهيولى ونجاتها من أسر الطبيعة، فهي ما هذه معانيها: «يا أيتها النفوس الغائصة في بحر الأجسام المدلهمة، ويا أيتها الأرواح الغريقة في ظلمات الأجرام ذوات الثلاثة الأبعاد، الساهية عن ذكر المعاد، المنحرفة عن سبيل الرشاد؛ اذكروا عهد الميثاق؛ إذ قال لكم الحق ألست بربكم، قلتم: بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا: إنما أشرك آباؤنا الجسمانيون من قبل، وكنا ذرية من بعدهم جرمانيين في دار الغرور، وضنك القبور. اذكروا عالمكم الروحاني وداركم الحيوانية ومحلكم النوراني، وتشوقوا إلى آبائكم وأمهاتكم وإخوانكم الروحانيين الذين هم في أعلى عليين، الذين هم من أوساخ الأجرام مبرءون، وعن ملابسة الأجسام الطبيعية منزهون، بادروا وارحلوا من دار الفناء إلى دار البقاء قبل أن يبادر بكم إلى هناك مكرهين مجبورين، غير مستعدين نادمين خاسرين.»

ففي مثل هذه الأوصاف وما شاكل هذه المعاني كانت الحكماء تلحن مع نغمات الموسيقى في الهياكل وبيوت العبادات، فقد تبين إذن - بما ذكرنا - طرف من غرض الحكماء في استعمالهم الموسيقى واستخراجاتهم أصول ألحانه وتركيب نغماته، وأما علة تحريم الموسيقى في بعض شرائع الأنبياء - عليهم السلام - فهو من أجل استعمال الناس لها على غير السبيل التي استعملها الحكماء، بل على سبيل اللهو واللعب، والترغيب في شهوات لذات الدنيا والغرور بأمانيها، والأبيات التي تنشد مشاكلة لها مثل قول قائل:

خذوا بنصيب من نعيم ولذة

فكل وإن طال المدى يتصرم

وقول القائل:

صفحه نامشخص