2
ذهبت لزيارة الخالة آني والخالة لو. هذه ثالث مرة أذهب إليهما منذ عودتي، وفي كل مرة كانتا تمضيان فترة ما بعد الظهيرة في صنع سجاجيد من الخرق المصبوغة. إنهما هرمتان الآن. تجلسان في شرفة صغيرة حارة تظللها ستائر من الخيزران. تشيع حولهما الخرق والسجاجيد التي لم تكتمل بعد نوعا مبهجا من الفوضى يحمل ألفة المنازل. لم تعودا تخرجان من البيت، لكنهما تستيقظان مبكرا، ثم تغتسلان وتضعان المساحيق على وجهيهما ثم ترتدي كل منهما أحد فساتينها المطبوعة العديمة الشكل والمزينة بأشرطة متعرجة وجديلة بيضاء. ثم تعدان القهوة والعصيدة وتنظفان المنزل. تعمل الخالة آني في الطابق الأعلى وتعمل الخالة لو في الأسفل. بيتهما نظيف للغاية، معتم ومنمق، وعبق برائحة الخل والتفاح. بعد الظهيرة تستلقيان ساعة ثم ترتديان فستانيهما لفترة ما بعد الظهيرة، وتضعان بروشين عند الرقبة، ثم تجلسان لمباشرة العمل.
إنهما من النساء اللائي يذوب لحمهن أو يتبدد لسبب غير معلوم مع تقدمهن في السن أكثر فأكثر. لا يزال شعر خالتي لو أسود، لكنه يبدو قاسيا وجافا من غطائه الشبكي مثل شوشات الشعر الميتة التي تكون في نهاية كوز ذرة ناضج. تجلس منتصبة وتحرك ذراعيها اللتين نحلتا حتى ظهر عظمهما بحركات وئيدة وشديدة الإتقان؛ تبدو مثل مصرية فرعونية، برقبتها الطويلة ووجهها الحاد الصغير وبشرتها شديدة السمرة والتجعد. أما خالتي آني - ربما بسبب ما تتمتع به من طابع ألطف، بل ولعوب - فتبدو أكثر هشاشة وتدهورا. سقط شعرها كله تقريبا، وباتت ترتدي نوعا من أغطية الرأس اللطيفة التي ترتديها الزوجات الشابات فوق بكرات الشعر عند ذهابهن للنوم. وهي تلفت نظري لهذا وتسألني: ألا ترينه جذابا؟ إن كلتيهما بارعة في هذه الملاحظات الساخرة الصغيرة، وتجذلان قليلا من الإشارة إلى كل ما هو بشع فيهما. صحبتهما مرحة إلى أقصى حد، وحديث إحداهما مع الأخرى يتخذ إطارا بارعا من الإغاظة والاحتجاج. لقد تراءت لي لمحات رائعة رأيت فيها نفسي ومادي، وقد تقدم بنا العمر، وجمعتنا ثانية علاقة الأخوة بعد أن تبدد كل شيء آخر، ونحن نعد الشاي لقريبة من القريبات، شابة ومحبوبة ولا تمثل أهمية كبيرة لنا، ونتظاهر بنفس هذه العلاقة الممتازة. ما الذي سيعلمه عنا أي شخص؟ أتساءل، وأنا أراقب خالتي المسنتين المسليتين: هل يؤدي الأشخاص المسنون مثل هذه الأدوار النموذجية المبسطة معنا لأنهم يخشون من أن أي شيء آخر أكثر صدقا سيستنفد صبرنا، أم يفعلون ذلك من باب اللطف - لشغل الوقت الاجتماعي - بينما في الحقيقة هم يشعرون بأنهم بعيدون كل البعد عنا، إلى حد عدم وجود أي إمكانية على الإطلاق للتواصل معنا؟
على أية حال، شعرت أنهما تبقيانني على مسافة منهما، على الأقل حتى هذه الزيارة الثالثة، حينما أظهرتا أمامي بعض علامات الخلاف بينهما. أعتقد أن هذه أول مرة يحدث فيها ذلك؛ فأنا بالتأكيد لم أرهما تتجادلان قط طوال كل السنوات التي اعتدت أنا ومادي أن نزورهما خلالها؛ ليس من قبيل الواجب فحسب، بل أيضا لأننا كنا نجد عندهما جو التعقل والسكينة مقابل الفوضى التي نعيش فيها، الميلودراما الرهيبة، في بيتنا بالمدينة.
كانت الخالة آني تريد أن تأخذني إلى الأعلى لتريني شيئا. فاعترضت خالتي لو، في رفض واستياء، كما لو كان الموضوع برمته مصدر حرج لها. كان هذا الشعور بالرغبة في الكتمان، أسلوب المراوغة المتبع في ذلك البيت، هو الذي جعل من غير الوارد أن أسألهما عما تتحدثان بشأنه.
قالت خالتي لو: «أوه، دعيها تتناول شايها .» فردت خالتي آني: «حسنا، «بعد» أن تتناول شايها.» «افعلي ما طاب لك إذن. هذا الطابق العلوي حار.» «هل ستأتين للأعلى يا لو؟» «ومن الذي سيراقب الطفلتين إذن؟» «أوه، الطفلتان، لقد نسيت.»
وهكذا انسحبنا أنا وخالتي آني إلى الأجزاء الأكثر عتمة من المنزل. من الحمق أن خطر لي أنها سوف تعطيني ورقة مالية من فئة الخمسة دولارات. فقد تذكرت حينما كانت معتادة على أن تأخذني إلى الردهة الأمامية بهذه الطريقة التي يلفها الغموض ثم تفتح كيس نقودها وتفعل ذلك. لا أظن أن خالتي لو كانت تعلم شيئا عن هذا السر أيضا. لكننا ذهبنا إلى الأعلى، وفي غرفة نوم الخالة آني، التي بدت مرتبة للغاية كما لو لم يستخدمها أحد من قبل، ومغطاة بورق حائط مزهر هادئ، كانت طاولة الزينة مفروشة بأوشحة بيضاء. وكان الجو حارا للغاية، كما قالت خالتي لو.
قالت الخالة آني وهي لاهثة الأنفاس قليلا: «الآن، ائتيني بذلك الصندوق الموضوع على الرف العلوي للدولاب.»
ففعلت. ثم فتحته وقالت بمرح المتآمر المتلهف: «الآن، أراهن أنك تتساءلين عما حل بكل ملابس أمك.»
لم يكن هذا الأمر قد خطر على ذهني من قبل. جلست فوق السرير، ناسية أن الأسرة يجب ألا يجلس عليها في هذا المنزل، وأنه كان يوجد في كل غرفة نوم كرسي مستو لهذا الغرض، لكن خالتي آني لم تمنعني، وراحت تخرج الملابس وهي تقول: «لم تذكر مادي شيئا عنها، أليس كذلك؟»
صفحه نامشخص