في هذا الوقت من اليوم كان الفناء الخلفي غريبا ومقبضا ومظلما، والحقول رمادية، وكل الأجمات الشعثاء المتشابكة على طول الأسوار كثيفة بما عليها من الطير، والسماء باهتة باردة، تنبسط عليها أذرع الضوء في نعومة وتتوهج حوافها، كأنها باطن محارة. سرها أن جدتها وهيزل كانتا بمعزل عن هذا، لأنهما ما زالتا نائمتين . لم يكن أحد قد رأى هذا اليوم بعد، أدهشها نقاؤه. راودها إحساس قوي بالتحرر والخطر، كشعاع فجر يخترق تلك السماء. عند ركن المنزل، حيث يوجد ركام الحطب، سمعت صوت قعقعة خشن واهن.
قالت ماي بصوت مرتفع: «من هناك؟» بعد أن ازدردت ملء فمها من كعك القرفة. قالت: «أعرف أنك هناك.»
جاءت جدتها من المنزل حاملة بعض الأعواد لإشعال النار ملتحفة بميدعتها، وهي تتمتم بتمتمات ساخطة خافتة غير مفهومة. رأتها ماي قادمة، دون أن تشعر بالمفاجأة وإنما بشعور غريب بالخذلان، شعور بدا أنه ينتشر على نحو لم تنجح في إخفائه من اللحظة الراهنة إلى كل أرجاء حياتها، السابقة والقادمة. بدا لها أن أي مكان تذهب إليه ستسبقها جدتها إليه، وأن أي شيء تكتشفه ستكون جدتها قد عرفت بأمره قبلها، أو تبين أنه غير ذي قيمة.
قالت مدافعة: «حسبت أحدا ما في الفناء.» نظرت إليها جدتها بلا اكتراث واتجهت إلى المطبخ.
قالت ماي: «لم أكن أظن أنك يمكن أن تستيقظي في ساعة مبكرة كهذه. ما الذي يجعلك تستيقظين في ساعة مبكرة كهذه؟»
لم تجب جدتها. كانت تسمع لكل ما تقوله لها لكن لا تجيب إلا إذا شاءت ذلك. بدأت العمل بأن أشعلت نار الموقد. كانت ترتدي أثناء النهار فستانا مطبوعة عليه رسومات، وميدعة زرقاء مهترئة ومتسخة من عند بطنها، وسترة حائلة اللون منسلة غير مزررة كانت لزوجها من قبل، وزوجا من الأحذية القماشية. كانت الملابس تتهدل عليها، بالرغم من محاولاتها أن تصلح من هندامها وتغلق ملابسها، وذلك لأن جسمها لم يكن صحيح الشكل بحيث تتماسك الملابس فوقه؛ فقد كانت ضعيفة التضاريس ونحيلة الجسم، عدا تقبب صغير في بطنها، كامرأة حامل في شهرها الرابع، يبرز على نحو يتناقض مع صدرها الهزيل. كانت ساقاها نحيلتين، وركبتاها بارزتين، وذراعاها سمراوين معرقتين ومعقوفتين كأنهما سوطان، وكان رأسها كبيرا بعض الشيء بالنسبة لجسمها، ومع شعرها المسحوب بإحكام أعلى جمجمتها، كانت تبدو كطفل سيئ التغذية لكنه خبيث الذكاء.
قالت لماي: «عودي أنت للنوم.» لكن ماي اتجهت ناحية مرآة المطبخ وبدأت تمشط شعرها وتلفه حول إصبعها كي ترى إن كان سيبدو لائقا في قصة شعر «بايج بوي». تذكرت أن اليوم هو موعد قدوم بنت عم يوني باركر. كانت ستأخذ بكرات الشعر التي تخص هيزل لترفع بها شعرها، في حال رأت أنها يمكنها فعل ذلك من دون أن تدري جدتها.
أغلقت جدتها باب الغرفة الأمامية حيث تنام هيزل. أفرغت براد القهوة وملأته بماء وقهوة جديدين، ثم أحضرت إبريق الحليب من الثلاجة، وشمته كي تتأكد من أنه ما يزال صالحا، وانتشلت بملعقتها نملتين من سلطانية السكر، ولفت لنفسها سيجارة على ماكينة كانت لديها لهذا الغرض، ثم جلست إلى الطاولة وراحت تقرأ جريدة اليوم السابق. لم تتفوه بكلمة أخرى إلى ماي إلا بعد أن نضجت القهوة وهدأت هي نار الموقد وصارت الغرفة مضاءة بنور أقرب إلى ضوء النهار.
قالت: «هاتي فنجانك إن كنت تريدين بعض القهوة.»
عادة كانت تقول إن ماي صغيرة للغاية على شرب القهوة. جاءت ماي لنفسها بفنجان جميل عليه طيور خضر. لم تقل جدتها أي شيء. جلستا إلى الطاولة تحتسيان القهوة، وماي مرتدية لباس النوم السابغ وشاعرة بأنها نالت امتيازا وأنها مضطربة. كانت جدتها تنظر إلى أرجاء المطبخ بجدرانه وتقاويمه المبقعة كما لو كان عليها أن تحفظ المنظر في ذهنها، كانت نظرتها متأملة أريبة نوعا ما.
صفحه نامشخص