فأقطب الشيخ أسرته كأنه غضب وقال: «من هو القاتل ومن سيقتله».
فأدنى سعيد شفتيه من أذن جده وقال: «إن القاتل علي بن أبي طالب وأنا سأقتله ولا يخفى عليك ما في ذلك من الفخر والفضل فإنما بقاءك ليتم ذلك تحت جناحك..».
ولم يصبر الشيخ على سماع بقية الحديث لعظم اضطرابه وحنقه. وعرف سعيد حنقه مما رآه من ارتعاش يديه واختلاج شفتيه واهتزاز لحيته. ولا تسل عن دهشة سعيد لما سمع جده يقطع عليه الكلام قائلا بصوت عنيف «لا لا لا يا سعيد ... لا تقتلوا البرئ».
فانذهل وظن جده لم يفهم كلامه «فقال له تمهل يا جداه وأي برئ تعني إني سأنتقم من علي بن أبي طالب فكيف تقول أنه برئ وأنت أول من دعا إلى المطالبة بدم عثمان منه. يظهر أنك أخطأت مرادي».
قال: «كلا إني لم أخطئ مرادك فلا تخطئ أنت مرادي. إن عليا برئ ... إنه برئ مما اتهمناه به ... إنه لم يتقل عثمان ولا مالأ على قتله ولا أراد سوءا بالمسلمين ولا ارتكب أمرا يستوجب نقمة».
فوقف سعيد وهو يحسب نفسه في منام لعلمه أن جده كان من أول الناقمين على علي فكيف انقلب إلى الضد من ذلك. فتبادر إلى ذهنه أن جده إنما يتكلم عن خرف. وأدرك أبو رحاب ما جال في خاطره فقال له: «لا يخالجن ذهنك شك في صحة عقلي فإني إنما أقول ما أقوله عن روية وطويل نظر ولم استقدمك من العراق إلا لهذه الغاية. ولا أقول ذلك جزافا بل أثبته بالبرهان».
ومازال سعيد منذهلا مستغربا. لكنه صبر نفسه إلى آخر الحديث فقال: «وما الذي دعاك إلى هذا التغيير العظيم. كيف يمكن أن يكون ذلك وكيف يمكن أن يكون علي بريئا من دم عثمان بل كيف تعترف أنت ببراءته وقد كنت من أول القائلين باتهامه».
فأشار الشيخ بيده إلى سعيد أن يجلس ويهدئ روعه ويصبر نفسه إلى سرد البراهين ثم قال «أما ما دعاني إلى ذلك فهو هاتف سمعته يقول ويكرر القول (إن عليا برئ وإنما يتهمه أهل المطامع والأغراض) وكنت كيفما توجهت اسمع هذا الصوت يرن في أذني حتى أقلق راحتي. فبحثت عن الأمر بنفسي وتدبرت ما أعلمه من تاريخ علي وعثمان وغيرهما من القائمين في هذه الفتنة فوجدت معاوية وسائر بني أمية على ضلال بل هم أهل أغراض اتخذوا مقتل الخليفة المظلوم ذريعة للحصول عليها». قال ذلك وأقطب حاجبيه وقد أبرقت عيناه من خلال قوس الأشياخ حول حدقتيه وبان الجد في لهجته فظل سعيد صامتا لا يبدي حراكا لما استولى عليه من الدهشة.
الفصل الثالث عشر
التهمة الباطلة
صفحه نامشخص