وبعد أخذ ورد في كلام المجاملات وهي كما يقول برم بجيل: غسيل القلوب. أكلوا، شربوا، قالوا.
ضحك مستر جين كثيرا، ثم تحدث مشجعا إياهم على الفكرة، ولكنه قال: ولكن الطريق وعرة، ولا يمكن للعربة أن تسير على الأشجار.
قال له أبريا، الرجل الثاني الضخم - ويقال له أحيانا نوسا مانديبا - نعرف طريقا كان يسلكها عمال شركة الأخشاب قبل أعوام كثيرة، وكانت لديهم شاحنات تحمل الأخشاب الضخمة، والآن لم تنبت على الطريق سوى بعض الشجيرات الصغيرة، وبإمكاننا اصطحاب جمع من المحاربين يقومون بقطع الأشجار بالفئوس. قال جين: ولكن هذا يأخذ زمنا طويلا أكثر مما لو ذهبنا للاجتماع بالحمير الوحشية أو بأرجلنا.
قال الرجل الشجاع
: الوقت لا يهم، المهم أننا سنذهب على ذلك الشيء.
وانفجر الجميع بالضحك ...
ولكي يصل وفد قبيلة «لالا» للاجتماع السنوي في الميعاد المطلوب، قرروا ابتداء الرحلة قبل يومين من الزمن المحدد، واضعين ظروف الطريق في الاعتبار، وكان يوم بدء الرحلة هو اليوم الذي سيذكره الأطفال لأحفادهم بعد عشرات السنين، وسيقول الكبار ضاربين كفا بكف وهم يشربون الدنبا واليازو والكافي تحت أشجار المهوقني: عشنا وشفنا، قضى مستر جين وفلوباندو قرابة الساعتين يجهزان العربة للرحلة الطويلة وسط حشد من الأطفال والنساء وبعض المحاربين الذين صعدوا على الأشجار يراقبون الموقف عن كثب، إيقاع النقارة يعلو حينا وينخفض، آتيا من قلب القرية عبر الأشجار والعشب، السماء لن تمطر إلا عندما تسقط الشمس، ستمطر قليلا، والمطر شيء عادي وبسيط ولا يقلق أحدا، فهو - تقريبا - يهطل طوال العام، ولكن هنالك أشهر تزداد فيها كمية الأمطار بشكل ملحوظ. مسز جين كانت في حالة مزاجية معتدلة، أخذت تتمشى عند طليعة الأشجار الكثيفة وهي بين حين وآخر ترمي حجرا على كومة من الأعشاب، فتخرج الأرانب هاربة في سرعة البرق، أو تهش الثعابين، وعلى إيقاع النقارة أيضا يتشكل في خيالها الاحتفال، الراقصون والراقصات، وهي تعشق بشكل جنوني رقصة الصياد والغزالة، التي في الأصل هي جنة، وكانت تسميها هي «أوبرا الدغل»، لم تلحظ مسز جين الصبي الصغير الذي يتبعها من بعد، وكلما أحس بأنها ستلتفت وتراه اختفى خلف كومة من الأعشاب أو وراء ساق مهوقني، الطفل كلفته فلوباندو.
عندما أطلق مستر جين بوق العربة ثلاث مرات متتالية، هرب الأطفال واختفوا بين أعشاب الغابة، وفي خوفهم أخذت النسوة في الضحك الذي يعبر أكثر ما يعبر عن خوف مدهوش، آخر جيل شاهد عربة في هذه الأمكنة يبلغ الآن أصغر فرد فيه من العمر سبعين عاما. •••
يقام المؤتمر القبلي بأرض قبيلة «شاري» كل عشر سنوات، و«شاري» أكبر قبائل الدغل الشمالي والأوسط عددا، وأكثرها بأسا وقوة، وهي مخافة الحكومة المركزية في الشرق، أكبر مخافاتها.
تمتلك «شاري» 5٪ من الثروة الحيوانية في الدولة، وبأراضيها منجم احتياطي من البترول في وسط القارة، وبها منجم الذهب الكبير على سفح جبيل «فترا بشير»، ولو أنه الآن تحت إدارة الحكومة المركزية الشرقية مباشرة، ويمنع الاقتراب منه ولو على بعد مائة ميل إلا بترخيص سابق، مستحيل، من قوة إديا الوطنية للأمن العام، ولكن يظل «شاري» وأهل الدغل الشمالي يمتلكون سبائك من الذهب لا حصر لها، يحصلون عليها من مناجم محلية بأسلوب بلدي، مواقع لا تعرفها حكومة الشرق المركزية يسمونها فيما بينهم «إبط الشيطان»، ويحرسها محاربون من كل قبائل الدغل الأوسط والشمالي، وهي ثلاث قبائل كبيرة: «فترا»، «شاري»، «لالا»، ولها خشم بيوتاتها.
صفحه نامشخص