راجناروك: نهایت خدایان
راجناروك: نهاية الآلهة
ژانرها
ولا سماء عالية.
انشق الخليج
ولم يكن هناك عشب نابت في أي مكان.
كان الخليج الخاوي يسمى «جينونجاجاب»، وهو اسم كررته الطفلة النحيلة مرارا وتكرارا. كانت تراه كلمة رائعة. ولم يكن هذا الخليج عديم الشكل تماما. كان محددا باتجاهات البوصلة. إلى الشمال كانت «نيفلهايم»، أرض الضباب والبرودة والمطر، التي انطلق منها اثنا عشر جدولا عنيفا من المياه الجليدية. وإلى الجنوب كانت «موسبلهايم»، أرض الحرارة، حيث تأججت النيران وتصاعد الدخان. تدحرجت الجبال الجليدية من نيفلهايم وذابت حتى تحولت إلى بخار بسبب الانفجار المحموم من موسبلهايم. وفي خضم هذه الفوضى المضطربة تكونت هيئة بشرية من المادة المتطايرة، إنه العملاق «يمير»، أو «أورجيلمير»، الذي يعني اسمه الطين المستعر أو الحصى الصائح. قال البعض إنه مصنوع من الطين الأبيض النقي الذي كانت «الاسكندنافيات» تغذي به «إجدراسيل». كان عملاقا؛ كان كل شيء، أو كل شيء تقريبا. رأته الطفلة النحيلة على هيئة نسر باسط جناحيه، ومتلألئ في كل بقعة، ولسبب ما لم يكن له وجه، ورأسه عبارة عن كرة صخرية.
كان هناك مخلوق آخر في «جينونجاجاب»، وهو بقرة ضخمة، تدر الحليب باستمرار وهي تلعق الملح الموجود على الصخور الجليدية. وقد تغذى «يمير» على هذا الحليب. لم تستطع الطفلة النحيلة تخيل كيف كان ذلك. كان العملاق شديد الضخامة. وهو الأب لكل عمالقة الجليد، «الهيرمثرسيون»، الذين نبتوا من جسده الهائل. ففي الحفرة حيث تلتقي ذراعه اليسرى بجذعه، تكونت المخلوقات، من ذكور وإناث؛ والتفت قدماه معا وتمخض منها ذكر. وفي غضون ذلك كانت البقرة العظيمة منشغلة بالتهام الملح بلسانها النهم، فكشفت أولا عن شعر مجعد، ثم لحم من الصقيع لعملاق آخر نائم، إنه «بر»، الذي أنجب عملاقا آخر، ألا وهو «بور»، الذي وجد في مكان ما (أين؟ هكذا فكرت الطفلة النحيلة، ورأسها مزدحم بالعمالقة الذين يملئون «جينونجاجاب») عملاقة تدعى «بيستلا»، والتي أنجبت ثلاثة أبناء، وهم الآلهة الأولى: «أودين» و«فيلي» و«في».
وقد هاجم هؤلاء الإخوة الثلاثة «يمير» وذبحوه وقطعوا أوصاله.
حاولت الطفلة النحيلة تخيل هذا. وهو ما كان من الممكن تأمله إذا قلصت حجم كل شيء، بحيث تصبح «جينونجاجاب» وكل ما تحتويه أشبه بكرة زجاجية سميكة، يهب داخلها الضباب كالحبال، ويتمدد الرجل الطيني في الفضاء، متلألئا بالصقيع. لقد تسللت، الآلهة الأولى، نحوه ومزقته بالأظافر، وبالأسنان، وبالمناجل، وبالخطاطيف، بماذا؟ لقد مزقته إربا، وهي عبارة تعرفها جيدا. لم يكن لهؤلاء الآلهة الثلاثة وجوه؛ إذ لم يكونوا أشخاصا، وكانوا يتحركون بخفة مثل ظلال سوداء راكضة، كالرجال القوارض، يطعنون ويبحثون. لقد حدث الفعل الأول للآلهة الجديدة، بأول ثلاثة ألوان يراها البشر ويسمونها: أسود، أبيض، أحمر. كانت «الفجوة» سوداء، ذات درجات عديدة من اللون الأسود، سميكة وناعمة، براقة وغامضة. كان العملاق الجليدي أبيض اللون، باستثناء الأماكن التي ألقت عليها أجزاؤه الضخمة ظلالا بيضاء بنفسجية؛ مثل الإبطين، وفتحتي أنفه الضخمتين، وأسفل ركبتيه. مزقت الآلهة الجديدة «يمير» إربا وضحكت. تدفقت الدماء من الجروح التي أحدثوها، وسالت من رقبته على كتفيه، وانزلقت كثوب ملتهب على صدره وخصره، واشتد تدفقها، حتى ملأت الكرة الزجاجية باللون القرمزي المتدفق، وأغرقت العالم. كانت دماؤه تتدفق بجموح لا يتوقف؛ فقد كانت هي الحياة التي تسكن بداخله، أسفل الطين والجليد، ولكنها استنزفت حتى الموت. كانت هناك قصة في كتاب «أسجارد» لم تحبها الطفلة النحيلة، وهي عن عملاق يدعى «بيرجلمير» بنى قاربا ونجا من الطوفان، فأصبح سلفا للعمالقة الآخرين. لم تعجبها القصة لأن الكاتب الألماني قال إنها ربما تكون محاكاة لقصة «نوح والطوفان». أرادت الطفلة أن تبقي هذه القصة منفصلة.
خلقت الآلهة العالم من العملاق الميت. شعرت الطفلة النحيلة بالانزعاج من اضطرارها لتخيل ذلك؛ إذ لم يكن هناك مقياس يمكن لها قياس هذا العالم به، على الرغم من أنها تمكنت من فهم الأشكال المظللة التي ربطت أجزاء «الإنسان» الميت بمخلوقات هذا العالم وتكويناته.
من لحم يمير،
تشكلت الأرض.
صفحه نامشخص