راجناروك: نهایت خدایان
راجناروك: نهاية الآلهة
ژانرها
كان هناك قارب صيد، كالعديد من القوارب التي دمرتها دون قصد، أثناء لعبها. وعلى متن القارب عملاق صقيع ضخم، لونه رمادي وفضي وأزرق، وذو شعر جليدي هائل ومتهدل، ولحية ضخمة نامية رمادية اللون. كان مربوطا بخيط السنارة والخطاف ورأس الثور، وجه بمثل شراسة وجهها، يشتعل غضبا وقوة، به عينان حمراوان تومضان أسفل حاجبين كثيفين، ومتوج بشعر ناري ومحاط بلحية حمراء متوهجة. إنه «ثور» إله الرعد يسحبها بخيط وعصا. ظلت تصعد، أكثر فأكثر، وكانت شاهقة مثل صاري القارب. ثبتت فمها المتألم على الطعم وجذبته. فتقوست العصا واهتزت. وأمسك الإله بقوة، وانحرف القارب في الماء. هزت الأفعى لبدتها اللحمية وأطلقت هسيسا مسموما. حدق الإله بغضب شديد، وظل يشد ويسحب. وقال العملاق: «لقد انتهى أمرنا.» أظلمت السماء، وتراكمت الغيوم في ركام أسود، والتوت الأفعى وأصدرت هسيسا، صمد الإله ممسكا بقوة، بينما شق البرق غطاء السحب. لم يؤذ أي شيء الأفعى مثلما آذاها هذا. كانت تضرب سطح البحر وتنخر. ثنى الخيط العصا، ولكن الرموز الرونية القوية أبقت عليه ثابتا.
تحرك العملاق، الذي كان يدعى «هيمير»، عبر القارب المليء بالمياه المتلاطمة، وأخرج سكين صيد ضخمة وضرب الخيط بقوة وقطعه. خارت الأفعى وغرقت. أخذ الإله مطرقته القصيرة اليد، وهو يستشيط غضبا، وألقى بها على رأسها. فضربتها ضربة قاسية وقوية. تدفق دمها الكثيف الداكن في مياه البحر. ثم سقطت المطرقة في المياه المظلمة، وطاردتها الأفعى. قال «هيمير» بقسوة وصرامة إن «ثور» سيندم على تلك الضربة، فأرجح الإله قبضته وسددها في رأسه الصخري ليوقع العملاق من القارب. ثم سبح الإله واجتاز المياه إلى الشاطئ بصعوبة. حكت الأفعى نفسها في الصخور، محاولة تمزيق الخطاف وخيط الصيد. وبصقت الرأس الميت، وضربت فمها الضخم المقوس على الصخور الحادة كشفرات الحلاقة، فخرج الخطاف من فمها، ساحبا معه قطعا سوداء ممزقة من حلقها.
صارت الأفعى أشد غضبا بعد هذا اللقاء الدامي. فراحت تقتل بوحشية أكبر، وتحطم ألواح القوارب، وتقتلع غابات البحر لإشباع غضبها المحموم. وفي وقت لاحق، مرت ب «راندراسيل» في غابة عشب البحر - وليس حيثما كانت من قبل - بضوئها الذهبي والكهرماني، وجذورها القوية الراسخة في الأعماق، وجذعها الضخم الذي تدعمه وسائد هوائية موجودة في الأكياس الهوائية التي تقع أسفل الشرائط الطحلبية. كانت قد رأتها من قبل، فشعرت بالبهجة. أما الآن فهي تقترب منها بنية الذبح والتدمير؛ فلم ينج منها لا أسماك النصل ولا حصان البحر، لا ثعالب الماء اللينة ولا طيور النورس في أعشاشها، لا نجم البحر المكلل بالشوك ولا قنافذ البحر ذات الشوك، ولا قناديل البحر الصغيرة ولا ثعابين البحر الرقيقة، ولا الرخويات ولا الحلزونات التي تلتصق بالأعشاب البحرية. لقد مزقت بفكها الضخم أوراق الأعشاب البحرية السرخسية ذاتها، وهي تهز لبدتها يمنة ويسرة، وتدمر مستعمرات بحرية بأكملها، حتى وصلت إلى جذع «راندراسيل» نفسه وأصابته. علقت أذرع هزيلة ممزقة في الماء وظلت تدور وتنقلب. وسادت العكارة في كل أرجاء المكان الذي امتلأ بدوامات كثيفة من الغبار.
ظلت ترتحل، وهي تكوم جسدها الضخم فوق الشعاب المرجانية ومستعمرات بلح البحر، وتسحق وتطحن كل ما يقابلها. وفي يوم من الأيام، رأت في المياه المظلمة شكلا مكوما، يرتعش وينتفض، فاعتبرت أنه حوت ضخم، ربما يكون جريحا، يستلقي في قاع البحر. فمالت «يورمنجاندر»، التي لا تزال في مزاج سيئ، إلى الأمام وانقضت لتهاجمه. كان الألم شديدا، وسرى في جميع أنحاء الأرض، ثم عاد إلى دماغها اللين الذي يسكن جمجمتها الهائلة. لقد هاجمت ذيلها. فقد كانت «يورمنجاندر» الضخمة تلتف حول الأرض كالحزام. وفكرت في أن تلتف حول نفسها وتستريح في قاع البحر إلى الأبد. كان المكان الذي استلقت فيه عبارة عن عمق كثيف فارغ ومقفر، أسود اللون كحجر البازلت. رفعت رأسها وبدأت تجر جسدها الهائل، ثم سبحت وهي تثني جسدها في ثنايا طويلة. ولكنها لو أنها سترتاح، لاختارت أن ترتاح في مياه تعج بالحياة، وتستلقي على طبقات اللؤلؤ والشعاب المرجانية، التي تسبح فيها أسراب من الأسماك كي تلتهمها، وحيث تتراقص ظلال السفن على صفحة الماء، وحيث يوجد عشب البحر الحي كي تريح رأسها عليه، وحيث يوجد المزيد والمزيد من الطعام الذي يشبع شهيتها الهائلة. (9) «بالدر»
فكرت الطفلة النحيلة كثيرا في الإله «بالدر» الجميل. كان إلها قدر له الموت، وهذا هو ما قيل عنه في الكتاب على أي حال. وبالمثل، كانت اللوحة التي تصور هيئة المسيح وهو يتحدث إلى الحيوانات، بهيئته البيضاء الطيبة المشرقة كالذهب، تصور إلها قدر له الموت. ولكن هذا الإله سيبعث من جديد ليحاسب الأحياء والأموات. أو هكذا قيل لها. كان كتاب «أسجارد والآلهة» يحتوي على فقرات تفسيرية وشروحات ناقش فيها مؤلفه الألماني الأكاديمي الأساطير ذات الصلة بالشمس والنباتات. ذلك حيث توارت الشمس في الظلام عند الانقلاب الشتوي. بينما كمشت النباتات حتى لم يتبق منها سوى جذورها القاسية كالحديد تحت سطح الأرض، وأصبحت المياه كالحجر، مثلما يغنون في الترانيم. احتفت القصص بعودة الربيع، وبإشراق الشمس في السماء، وبنمو الأوراق، والعشب الجديد الأخضر الزاهي.
ذهب «بالدر»، ولكنه لم يعد مرة أخرى. كانت الطفلة النحيلة تصنف في عقلها حديث العهد الأشياء التي ذهبت وعادت، والأخرى التي ذهبت ولم تعد. كان والدها بشعره المشرق كاللهب يحلق بطائرته تحت أشعة الشمس الحارقة في أفريقيا، وكانت تعرف في أعماقها أنه لن يعود. لقد عرفت ذلك جزئيا بسبب ما لم يكن يقال بشكل محسوس عندما يرفع أفراد الأسرة في عيد الميلاد، على سبيل المثال، أكوابا صغيرة من عصير التفاح، ويشربون نخب والدها، ويتمنون عودته في عيد الميلاد القادم. كانت هناك قصص قد انتهت، بدلا من أن تظل تدور في دوائر لا تنتهي، وقصة الإله الجميل واحدة منها، وقد وجدتها الطفلة النحيلة مرضية بالرغم من كآبتها. كانت قراءاتها وإعادة قراءاتها لهذه القصص في كل أوقات السنة قد أضفت عليها نوعا من التكرار الأبدي. وعلى الرغم من هذا التكرار؛ فقد كانت تنتهي في كل مرة، ولكنها تبدؤها مجددا.
لقد فهمت منذ البداية أن هذه الآلهة هي آلهة مخيفة وخائفة في الوقت نفسه. كانت «أسجارد» محاطة بجدران دفاعية وحراس يتولون المراقبة. ذلك حيث يسود «أسجارد» شعور بتوقع الموت والهلاك. وها هي الجميلة «إيدون» التي تعيش في ظلة خضراء وسط غصون «إجدراسيل» القوية، وتمنح الآلهة تفاح الشباب والقوة. وفي يوم من الأيام، مثلما ذكرت القصة، اختفت «إيدون»، وبدون سبب، من الشجرة. ذبلت وضعفت أغصان «إجدراسيل» عند الموضع الذي كانت «إيدون» تستقر فيه وتبتسم. ولم تعد الطيور تغني. أما بئر «أودريريير» التي تحتوي على ماء الحياة الباردة والداكنة، والتي كانت تحرسها «الاسكندنافيات»؛ فقد أصبح ماؤها غورا آسنا.
أرسل «أودين» غرابه «هوجين» (أي الفكر)، ليعرف مكان «إيدون». حلق الطائر الضخم، وهبط في الظلام، داخل أرض الجان الداكن البشرة، حيث تحدث إلى ملكي الأقزام؛ «دايين»، ويعني اسمه الميت، و«ثارين»، ويعني اسمه الجثة. كانا يغطان في النوم ولم يكن إيقاظهما ممكنا، ولكنهما كانا يتمتمان بكلام عن الدمار، والظلام، والتهديدات، والنهايات. فعاد الغراب وهو يحمل كلمات ملغزة. كانت السماء تهوي في «جينونجاجاب». كان كل شيء ينهار. ذلك حيث تتأرجح دوامات من الهواء وتتقلب. بينما تقبع «إيدون» أسفل جذور شجرة المران الرمادية المتدلية في عرين عملاق قديم، يدعى «نارفي»، وهو والد «الليل» الأسود. ذهبت الآلهة ووجدتها هناك صامتة ترتجف. فلفوها بجلد ذئب أبيض، غطى جبينها؛ حتى لا ترى الأغصان الحية التي سقطت منها، فهدأت وشعرت بالارتياح. استجوبت الآلهة «أورد»، «الاسكندنافية»، التي تقف عند حافة مرجل الحكمة. ما الذي تغير؟ هل نصب الوقت والموت لهن شركا؟ هل تغيرن هن أنفسهن؟ كانت إيدون ترتجف داخل الجلد الأبيض الذي تتدثر به، بينما بدت «أورد» العتيقة في ثوبها الأسود الرقيق، كالأقزام الناعسة، المثقلة بالنوم. لم يستطعن الإجابة، بل بكين أنهارا من الدموع، التي فاضت من عيونهن وأغرقت أيديهن. كانت قطرات الدموع الضخمة التي تتساقط واحدة تلو الأخرى، وتنتفخ ثم تنفجر؛ تشبه المرايا التي لم تر فيها الآلهة المستجوبة سوى انعكاس وجوهها القلقة. أصبح كل شيء فجأة بطيئا خاملا، ثم تسارع، واندفع نحو نهاية ما.
غالب النوم «بالدر» المشرق أيضا. كان خاملا، ككائنات البيات الشتوي، التي لا تستطيع الاستيقاظ، وتنكمش ناعسة في عالم الأحلام. حلم بالذئب ذي الفم الدامي، وهو يتحرر من الحبل السحري الذي يقيده، ويهشم السيف في حلقه بين فكيه الهائلين. وحلم بأفعى «ميدجارد» التي تلتف حول العالم من كل جانب، وهي تفرد ثناياها الملتفة وترتفع فوق الأمواج، باصقة السم. وحلم ب «هيل» وردهاتها المظلمة، ووجها نصف الحي ونصف الميت، وتاجها الباهت، والكوب الذي أعدته له عندما يحين الوقت الذي سيأتي فيه ويجلس بجانبها . كانت الطفلة النحيلة تعرف أن معظم الأحلام ضعيفة وهشة، ويمكن للنائم أن يمزقها إن عزم على ذلك، كما أنها يمكن أن تتحول إلى عرض يشبه صندوق الدنيا أو لغز يصبح فيه الحالم مجرد متفرج، غير مهدد. ولكن هناك أحلاما خانقة ومرعبة بحق، وتكون أكثر واقعية من العالم الذي يستيقظ الحالم فيه؛ وهي ثقيلة خانقة ومليئة بالأذى وبتهديد هلاك قادم، والحالم فيها ضحية أذى لا مفر منه.
كانت تحلم بأحلام من هذا النوع في زمن الحرب. كانت في بعض الأحيان أحلاما حمقاء. وقد حلمت مرارا وتكرارا أن «الألمان» يختبئون تحت سريرها المعدني، وينشرون أرجله بانتظام، حتى يتمكنوا من الإمساك بها وحملها بعيدا. كانت تعلم أنهم موجودون هناك، حتى بعدما تستيقظ وتدرك أنه حلم سخيف. كانت محطات الحافلات والمقاهي بها ملصقات تظهر خوذات رمادية تجلس القرفصاء تحت المقاعد وطاولات الشاي، تسترق السمع، وتستعد للهجوم. إذا جاءوا، سينتهي العالم، ولكنها لم تتخيل قدومهم في يقظتها.
صفحه نامشخص