... ... البدعة غير السيئة تنقسم إلى فرض كفاية كتعلم علم الكلام للرد على أهل البدع والإلحاد ، وإلى مستحب كتصنيف كتب العلم ، وبناء المدارس والربط ونحو ذلك ، وإلى مباح كالتوسع في الأطعمة ونحوها من المباحات ، وعند الاستقراء لا يوجد ذلك في العبادات الخالصة البدنية ، كالصلاة والصوم ، وقراءة القرآن ، والذكر ، وأوصافها ، وذلك لأن البدع الغير السيئة إنما تكون فيما حدث سببه بعد الصدر الأول ، أو زال المانع منه ، والعبادات الخالصة البدنية ليست كذلك ، فلا تكون البدعة فيها إلا سيئة ؛ لأنها كالاستدراك على أهل الصدر الأول ، إذ ترك الفعل لا يكون إلا لعدم الحاجة إليه ، أولمانع يمنع عنه ، أو لعدم التنبيه له ، أو للتكاسل ، أولكراهته ، والأولان منتفيان في العبادات المحضة ؛ لأن الحاجة إلى التقرب بها إلى الله لا تنقطع ، ولم يكن منها مانع بعد ظهور الإسلام ، وغلبة أهله ، وكذا الاستدراك بعدم التنبه أو التكاسل ، إذ لا يجوز ظن ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وجميع أصحابه ، فلم يبق إلا الكراهة ، وذلك [ ما ] (¬1) أراد عبدالله بن مسعود رضي الله عنه لما أخبر بالجماعة الذين ذكروا له أنهم يجلسون في المسجد بعد المغرب ، فيهم رجل يقول : كبروا الله كذا وكذا ، وسبحوا الله كذا وكذا ، واحمدوا الله كذا وكذا ، فيفعلون ، فحضرهم ، فلما سمع ما يقولون قام ، فقال لهم : أنا عبد الله بن مسعود ، والله الذي لا إله غيره لقد جئتم ببدعة ظلما ، أولقد فقتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما ..
صفحه ۲۰