... ... وكثير من هؤلاء الجهال يظنون أن الرقص من السماع ، ويستدلون عليه بورود السماع عن المشايخ المعتبرين ، كونه في الكتب المعتمدة ، وهذا جهل منهم لاللغة والاصطلاح ، فإن السماع في اللغة هو إدراك القوة السامعة للأصوات ، وكذلك هو في اصطلاح الصوفية ، ولهذا تراهم يفتحون الكلام فيه بقوله تعالى : [الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه] (¬1) وذلك بأن ينشد بعضهم من الأشعار المباحة ، ويستمع الباقون ، فيحصل لكل منهم ما يقتضيه حاله ، وإنما حركات الأعضاء مسببة عن الوجد ، الذي يثيره السماع ، ولا يسمى سماعا أصلا ، ولا يحل إلا إذا صارت الحركات كحركات المرتعش ، بحيث لا يتعداه ، يمسك نفسه عنها على ما صرح به في العوارف وغيره ، وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في مختصر القواعد : وقد يصيح بعضهم لغلبة الحال عليه ، وإلجائها إياه إلى الصياح ، ومن صاح لغير ذلك فمتصنع ، ليس من القوم في شيء ، وكذا من أظهر شيئا من الأحوال رياء وتسميعا فإنه ملحق بالفجار دون الأبرار .
فصل :
... ... البدعة ، قال في القاموس : الحدث في الدين بعد الإكمال ، أو ما استحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال زين العرب : البدعة ما أحدث على غير قياس ، أصل من أصول الدين ، وقال الهروي : البدعة الرأي الذي لم يكن له من الكتاب ، ولا من السنة سند ظاهر أو خفي مستنبط .
... أقول : مرادهما البدعة المكروهة ، أو المحرمة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة )، فأراد إخراج البدعة الحسنة ، فإنها لا بد أن تكون على أصل وسند ظاهر أو خفي أو مستنبط على ما سنذكر إن شاء الله تعالى .
صفحه ۱۵