رهگذران مسلمان در قرون وسطی
الرحالة المسلمون في العصور الوسطى
ژانرها
ومن طريف ما رواه عبد الباسط قصة على عبث قطاع الطرق واللصوص بالتجار في ذلك الحين. وخلاصتها أن جمعا من التجار باعوا تجارة لهم في فاس وأرادوا الرجوع إلى أوطانهم، ولكنهم كانوا يحسبون لقطاع الطرق ألف حساب «فاتفق أربعة منهم على الرجوع بحيلة احتالوها، مشت على العرب وقطاع الطريق، بأن شروا حميرا وجعلوا عليها أخراجا بما كان معهم من المال النقد، وعمدوا إلى عبي عتيقة فجعلوها أغطية على الأخراج، وأنهم أخذوا الطحال من الغنم فجففوه ودقوه، وحملوه معهم مع شيء من الغراء وخرجوا وكانوا إذا قربوا من طائفة من العريان أو نجع أذابوا الغراء الذي معهم وجعلوا يلطخون مواضع من أبدانهم على رقابهم ووجوههم وأيديهم إلى المرافق وأرجلهم إلى نصف الساق، ثم يذرون على ذلك مما معهم من الطحال المدقوق المجفف ويمشون بأسكانهم، يوهمون بأنهم مجاذيم من أهل البلاء، وأنهم يجولون بحميرهم عليها زادهم وأثاثهم، فكانوا إذا اجتازوا على العرب ورأوهم على تلك الحالة هربوا فارين منهم وأبعدوا عنهم يخشون العدوى حتى كانوا يجعلون لهم من أنواع المآكل على ممرهم بالطريق، ويشيرون إليهم من البعد بأن يأخذوا ذلك ويدعون لهم من غير أن يقربوا منهم ولا يصلوا إليهم ... ولم يزالوا على ذلك حتى وصلوا إلى بلادهم ولم يروا إلا الخير والسلامة، وكان يكاد أن لا يطير الطير من شرور من اجتازوا بهم من العربان وعد ذلك من غريب الحيل والنوادر».
وروى عبد الباسط قصة أخرى يتبين منها أن التجار الداخليين مدينة واهران كان يؤخذ منهم عند باب المدينة عشر قيمة ما معهم من البضائع، وأن بعضهم كان يلجأ إلى تهريب بضائعه بتوزيعها على من يدخل المدينة من أهلها؛ لأنهم لا يفتشون ولا يطلب إليهم أن يدفعوا أي ضريبة على ما يحملون. وكان التجار يستردون بضائعهم في المدينة بعد نجاح حيلتهم في التخلص من دفع الضريبة المطلوبة.
وأشار عبد الباسط إلى أن الأشراف من بني هاشم كانوا يلقون في بلاد العرب تعظيما كبيرا، مما أدى إلى أن بعض المحتالين كان يفد من مصر والعراق إلى بلاد المغرب منتسبا إلى أسرة النبي، وجامعا حوله نفرا من الأنصار والمحتالين ولم يكن من السهل أن يكشف أمرهم.
ومما لاحظه هذا الرحالة أن المسجونين في تونس كانوا في حالة يرثى لها، وقد حدث في جمادى الثانية سنة 867ه أن كثرت استغاثتهم، «حتى أعيوا السامعين، فسأل السلطان صاحب تونس عن حالهم فبلغه بأنهم يشكون الجوع، فأمر لهم بطعام يفرق فيهم وحصل لهم بذلك نوع رفق في الجملة.»
وصفوة القول: أن عبد الباسط روى في كتابه أخبارا كثيرة عن رحلته في بلاد المغرب والأندلس. وكلها تشهد بدقة ملاحظته وتشير إلى نظم تلك البلاد في عصره وإلى أحوالها الاجتماعية والاقتصادية.
الخاتمة
عرضنا في الصفحات السابقة أخبار الرحالة المسلمين، وظهر لنا أن المجهولين منهم أكثر ممن حفظ التاريخ أسماءهم. فمعظمهم لم يعن بتدوين أخبار أسفاره. واستطاع نفر قليل منهم أن ينتفع بها في الكتابة في التاريخ وعلم تقويم البلدان. ووفق أفراد معدودون لتدوين أحاديث الرحلات التي قاموا بها، ولسرد مشاهداتهم العجيبة في البلاد التي تجولوا فيها. •••
وأما شأن هذه الرحلات في تطور العلم والمعرفة فما من شك في أن المسلمين ساهموا في تعريف بالشرق الأقصى وأفريقية، فضلا عن آفاق دولتهم المتراخية.
فالرومان كانوا يتخيلون وجود الصين، ولكن الرحالة المسلمين عرفوها وكتبوا عنها منذ بداءة العصور الوسطى أخبارا أيتها رحلة ماركوبولو البندقي في القرن الثالث عشر الميلادي. وكان الرومان لا يعرفون من قارة إفريقية إلا سواحلها الشمالية، أما المسلمون فقد عبروا الصحراء وعرفوا مجاهل هذه القاهرة التي ظل الأوروبيون حتى القرن الثامن عشر يقفون عند سواحلها فلا تتطول أعناقهم إلى ورائها.
أما بلاد العرب والعراق وإيران فطبيعي أن يكون المسلمون المرجع الأساسي في دراسة وصفها الجغرافي والعمراني والاجتماعي، إلى غير ذلك مما لم يصل إليه الغربيون قبل العصور الحديثة. •••
صفحه نامشخص