رهگذران مسلمان در قرون وسطی
الرحالة المسلمون في العصور الوسطى
ژانرها
ومن طريف ما ذكره ابن بطوطة عن مدينة دمياط أنها كانت مسورة، وإذا دخلها أحد لم يكن له سبيل إلى الخروج منها إلا بإذن الوالي؛ فمن كان في الناس معتبرا أعطاه رجال الإدارة الإذن على ورق مختوم بطابع الوالي، أما طالب الخروج من عامة الناس فكانوا يطبعون على ذراعه بخاتم الوالي ، فيسمح له حراس باب المدينة بمبارحتها عند رؤية هذا الختم.
ثم وصف ابن بطوطة القاهرة والفسطاط (مصر) فذكر المساجد والمدارس والمستشفيات والقرافة والنيل والأهرام، وقال عن هذه: إنها بنيت لتكون مستودعا للعلوم ولجثث الملوك. وتحدث عن السلطان الناصر محمد بن قلاوون وعن بعض كبار الأمراء والعلماء في دولته، ووصف الاحتفال بسفر المحمل. وقال: إن بنيل مصر من المراكب ستة وثلاثين ألفا للسلطان والرعية، تمر صاعدة إلى الصعيد ومنحدرة إلى الإسكندرية ودمياط بأنواع الخيرات والمرافق، وأن «الروضة» كانت حينئذ مكان النزهة والتفرج وبها البساتين الكثيرة الحسنة، وأن أهل مصر ذو طرب وسرور ولهو، وأنه شاهد بها مرة فرجة - بسبب برء الملك الناصر من كسر أصاب يده - فزين كل أهل سوق سوقهم وبقوا على ذلك أياما.
وسافر الرحالة من القاهرة إلى عيذاب، ولكنه لم يستطع أن يعبر البحر منها؛ لأنه وجد أميرها الحدر بن زعيم البجاة قد ثار على مولاه السلطان الناصر المملوكي، وأقبل على مطاردة جنوده المماليك، وأتلف المراكب فتعذر السفر في البحر. وعاد ابن بطوطة إلى الفسطاط، ثم رحل عنها إلى فلسطين ولبنان وسورية؛ على أن يرافق إلى الحجاز ركب الحاج الشامي. ووصف الطريق الصحراوي بين مصر وفلسطين، وما كان فيه من محطات ولا سيما «قطيا» التي كانت تجبي المكوس. قال:
ثم وصلت إلى الصالحية، ومنها دخلنا الرمال ونزلنا منازلها، وبكل منزل منها فندق وهم يسمونه الخان، ينزله المسافرون بدوابهم، وبخارج كل خان ساقية للسبيل وحانوت يشتري منه المسافر ما يحتاج إليه ودابته ومن منازلها «قطيا» المشهورة، وبها تؤخذ الزكاة من التجار وتفتيش أمتعتهم، ويبحث عما لديهم أشد البحث، وفيها الدواوين والعمال ... ومجباها في كل يوم ألف دينار من الذين. ولا يجوز عليها أحد من الشام إلا ببراءة (إذن أو جواز سفر) من مصر ولا إلى مصر إلا ببراءة من الشام، احتياطا على أموال الناس، وتوقيا من الجواسيس العراقيين. وطريقها في ضمان العرب وقد وكلوا بحفظه، فإذا كان الليل مسحوا على الرمل لا يبقي به أثر، ثم يأتي الأمير صباحا فينظر إلى الرمل، فإن وجد به أثرا طالب العرب بإحضار مؤثره فيذهبون في طلبه فلا يفوتهم، فيأتون به الأمير فيعاقبه بما شاء. •••
وتنقل ابن بطوطة بين مدن فلسطين والشام تنقلا يبدو غير منتظم في أخبار رحلته. ومهما يكن من الأمر، فإنه وصف غزة وبيت المقدس، وأعجب بقبة الصخرة وتحدث عن فضلاء القدس، وانتقل إلى وصف صور وطرابلس الشام وحلب، وسره بعض القصص التي تتصل بالنزاع بين السلطان الناصر محمد بن قلاوون ودولة إيلخانات المغول بالعراق، وما تبعه من فرار الأمير قراسنقر نائب حلب إلى إيلخان المغول.
وأسهب ابن بطوطة في الكلام على دمشق، فوصف مسجدها الجامع وصفا دقيقا، وتحدث عن حلقات التدريس فيه. ومن أطرف ما كتبه عنها ذكر ما بها من أوقاف لمختلف الشؤون الاجتماعية «منها أوقاف تجهيز البنات إلى أزواجهن، وهن اللواتي لا قدرة لأهلهن على تجهيزهن، ومنها أوقاف لفكاك الأسارى، ومنها أوقاف لأبناء السبيل، يعطون منها ما يأكلون ويلبسون ويتزودون لبلادهم، ومنها أوقاف على تعديل الطريق ورصفها؛ لأن أزقة دمشق لكل واحد منها رصفان في جنبيه يمر عليهما المترجلون ، ويمر الركبان بين ذلك، ومنها أوقاف لسوى ذلك من أفعال الخير»، وسرد ابن بطوطة قصة طريفة في هذا الصدد. قال: «مررت يوما ببعض أزقة دمشق، فرأيت به مملوكا صغيرا قد سقطت من يده صفحة من الفخار الصيني، وهم يسمونها الصحن، فتكسرت، واجتمع الناس، فقال له بعضهم: «اجمع شفقها واحملها معك لصاحب أوقاف الأواني.» فجمعها وذهب الرجل معه إليه فأراه، فدفع له ما اشترى به مثل ذلك الصحن. وهذا من أحسن الأعمال، فإن سيد الغلام لا بد له أن يضر به على كسر الصحن أو ينهره، وهو أيضا ينكسر قلبه ويتغير جل ذلك. فكان هذا الوقف جبرا للقلوب.»
وطبيعي أن يعنى ابن بطوطة بالكلام على ما يلقاه مواطنوه المغاربة من كرم الوفادة في دمشق فأشار إلى أن أهلها يحسنون الظن بالمغاربة، ويعهدون إليهم في شتى الأعمال، فلا يحتاج غريب إلى بذل وجهه في السؤال «وكل من انقطع بجهة من جهات دمشق لا بد أن يأتي له وجه من المعاش» من إمامة مسجد، أو قراءة بمدرسة، أو ملازمة مسجد يجيء إليه فيه رزقه، أو قراءة القرآن، أو خدمة مشهد من المشاهد المباركة أو يكون كجملة الصوفية بالخوانق تجري له النفقة والكسوة. فمن كان بها غريبا على خير لم يزل مصونا عن بذل وجهه محفوظا عما يزري بالمروءة. ومن كان من أهل المهنة والخدمة فله أسباب أخر، من حراسة بستان أو إمامة طاحونة أو كفالة صبيان يغدو معهم إلى التعليم ويروح، ومن أراد طلب العلم أو التفرغ للعبادة وجد الإعانة التامة على ذلك.»
وأشار ابن بطوطة إلى أن من فضائل أهل دمشق أنه لا يفطر أحد منهم في ليالي رمضان وحده البتة، فمن كان غنيا فإنه يدعو أصحابه والفقراء. أما الفقراء فإنهم يجتمعون كل ليلة في دار أحدهم أو في مسجد ويأتي كل أحد بما عنده فيفطرون جميعا.
وكان ابن بطوطة يعنى بالنواحي الاقتصادية في مشاهداته، فيذكر أجل ما تختص به المدن التي يزورها من منتجات زراعية أو صناعية ولا تفوته الإشارة إلى الطريف منها. ومن ذلك قوله في بعلبك: «ويصنع بها أواني الخشب وملاعقه التي لا نظير لها في البلاد، وهم يسمون الصحائف بالدسوت، وربما صنعوا الصحفة وصنعوا صحفة أخرى تسع في جوفها أخرى إلى أن يبلغوا العشر، يخيل لرائيها أنها صحفة واحدة. وكذلك الملاعق يصنعون منها عشرا واحدة في جوف واحدة ويصنعون لها غشاء من جلد ...» فليس لنا أن نعجب إذن حين نرى مصانع الغرب في العصر الحاضر تطبق هذه الفكرة في إنتاج بعض أنواع الآنية ومنافض السجاير. •••
أدى ابن بطوطة بعد ذلك فريضة الحج، ووصف مناسكها، وتحدث عن الحجازيين وعاداتهم وأحوالهم الاجتماعية، وأثنى على أهل مكة ومدح ما شاهده فيها من الكرم وحسن الجوار للغرباء، ولاحظ أن نساء مكة «فائقات الحسن بارعات الجمال ذوات صلاح وعفاف، وهن يكثرن التطيب، حتى إن إحداهن لتبيت طاوية وتشتري بقوتها طيبا. وهن يقصدن الطواف بالبيت في كل ليلة جمعة فيأتين في أحسن زي، وتغلب على الحرم رائحة طيبهن، وتذهب امرأة منهن فيبقى أثر الطيب بعد ذهابها عبقا»!
صفحه نامشخص