رهگذران مسلمان در قرون وسطی
الرحالة المسلمون في العصور الوسطى
ژانرها
بدأ ابن جبير رحلته إلى الأراضي الحجازية في شوال سنة 578ه/فبراير سنة 1183م مع صديق اسمه أحمد بن حسان كان من رجال الطب والعلم والأدب. وعبر الصديقان البحر إلى مدينة سبتة
Cauta ، حيث وجدا سفينة من سفن مدينة جنوة، تريد الإقلاع إلى الإسكندرية، فركباها يوم الخميس 29 من شوال/24 فبراير، وبدأ ابن جبير تقييد يومياته منذ اليوم التالي. ومما يشهد بأن العلاقات بين الأفراد المسيحيين والمسلمين كانت طيبة أن ابن جبير سره التوفيق لتلك السفينة، وكتب أن الله «سهل عليه وعلى صديقه ركوبها».
أقلعت السفينة من ثغر سبتة الواقع على شاطئ مراكش في مواجهة جبل طارق. وسارت محاذية لشاطئ الأندلس حتى ثغر دانية جنوبي بلنسية. ثم اتجهت شرقا مارة بجزائر البليار. وكادت أنواء البحر وأمواجه أن تعبث بها، لولا مركبا مسيحيا آخر، كان قادما من قرطاجنة الإسبانية وميمها شطر صقلية، فاقتفت أثره. واستطاعت أخيرا أن تصل مع ذلك المركب إلى برسردانية حيث جدد المسافرون الماء والحطب والزاد. وقيد ابن جبير أن مسافرا مسلما ممن يعرفون اللسان الرومي هبط مع جماعة من الروم إلى أقرب المواضع المعمورة من المرسى الذي وصلت إليه السفينة، فرأى نحو ثمانين من أسرى المسلمين رجالا ونساء يباعون في السوق، وكان الروم قد عادوا بهم من غزوة في سواحل البحر ببلاد المسلمين.
أقلعت السفينة بعد ذلك إلى صقلية. ووصف ابن جبير ما مر بها من العواصف والأهوال إلى أن أرست على شاطئها عند موضع لم يحدده. ثم فارقته إلى ثغر الإسكندرية فوصلت إليه في 29 من ذي القعدة أي بعد شهر من بدء رحلتها من مراكش.
وطبيعي أن أول ما شاهده ابن جبير في الإسكندرية إنما كان متصلا بما نسميه اليوم «إجراءات الجمارك». والحق أنه وصفها في دقة وطرافة، تحملنا على روايتها على لسانه؛ لنتبين أن كثيرا من الأنظمة التي تبدو لنا اليوم من تمخضات مدنيتنا ليس في الحق إلا تطورا طبيعيا لما عرفه القوم في العصور الوسطى.
قال ابن جبير: «فمن أول ما شاهدنا فيها (أي: في الإسكندرية) يوم نزولنا أن طلع أمناء إلى المركب من قبل السلطان بها لتقييد جميع ما جلب فيه، فاستحضر جميع من كانوا فيها من المسلمين واحدا واحدا وكتبت أسماؤها وصفاتها وأسماء بلادهم، وسئل كل منهم عما لديه من سلع أو ناض (نقد) ليؤدي زكاة ذلك كله، دون أن يبحث عما حال عليه الحول من ذلك أو ما لم يحل. وكان أكثرهم متشخصين لأداء الفريضة لم يستصحبوا سوى زاد لطريقهم، فلزموا أداء زكاة ذلك دون أن يسأل هل حال عليه حول أم لا. واستنزل أحمد بن حسان منا، ليسأل عن أنباء المغرب وسلع المركب؛ فطيف به مرقبا على السلطان أولا. ثم على القاضي ثم على أهل الديوان ثم على جماعة من حاشية السلطان، وفي كل يستفهم ثم يقيد قوله فيخلى سبيله.
وأمر المسلمون بتنزيل أسبابهم وما فضل من أزودتهم. وعلى ساحل البحر أعوان يتوكلون بهم وبحمل جميع ما أنزلوه إلى الديوان، فاستدعوا واحدا واحدا، وأحضر ما لكل واحد من الأسباب. والديوان قد غص بالزحام فوقع التفتيش لجميع الأسباب، ما دق منها وما جل. واختلط بعضها ببعض. وأدخلت الأيدي إلى أوساطهم بحثا عما عسى أن يكون فيها. ثم استحلفوا بعد ذلك هل عندهم غيري ما وجدوا لهم أم لا. وفي أثناء ذلك ذهب كثير من أسباب الناس لاختلاط الأيدي وتكاثر الزحام. ثم أطلقوا بعد موقف من الذل والخزي عظيم ... وهذه لا محالة من الأمور الملبس فيها على السلطان الكبير المعروف بصلاح الدين. ولو علم بذلك، على ما يؤثر عنه من العدل وإيثار الرفق، لأزال ذلك وكفى الله المؤمنين تلك الخطة الشاقة، واستؤدوا الزكاة على أجمل الوجوه. وما لقينا ببلاد هذا الرجل ما يلم به قبيح لبعض الذكر سوى هذه الأحدوثة، التي هي من نتائج عمال الدواوين.»
فقد آلم ابن جبير أن يساء إلى الحجاج المسلمين، وأن يطلب إليهم أداء الزكاة عن جميع ما معهم، بدون تفرقة بين الذي حال الحول فاستحقت عليه الزكاة وما لم يحل عليه الحول فلا زكاة عليه، كما آلمته القسوة في تفتيشهم. والظاهر أن هذه الدقة في «جمرك» الإسكندرية قديمة، فقد ذكر الأستاذ نقولا زيادة في كتابه «رواد الشرق العربي»، الذي أخرجته مجلة المقتطف، أن السائح المسيحي برنارد الحكيم روى عن نفسه (في القرن التاسع الميلادي) أنه فتش في الإسكندرية وحقق معه، ودفع ستة دنانير ذهبية.
وقد لقي ابن جبير مثل هذا التفتيش بالإسكندرية في رحلته الثانية إلى مصر؛ فكتب قصيدة يمدح فيها السلطان صلاح الدين، ويشير إلى فتحه ببيت المقدس سنة 583ه/1187م، وينصحه بإزالة هذه الأساليب التي تهتك فيها الحرمات وتنسى حقوق المسلمين، ومن أبيات هذه القصيدة:
يعنت حجاج بيت الإله
صفحه نامشخص