رحلات الفضاء: تاريخ موجز
رحلات الفضاء: تاريخ موجز
ژانرها
شكل 1-2: جنود وفنيون أمريكان يجهزون صاروخا ألمانيا باليستيا من نوع «في-2» للإطلاق في وايت ساندس في 10 مايو 1946. أول إطلاق ناجح في الولايات المتحدة. لم يكن صاروخ «في-2» سلاحا شديد الفاعلية، ولكنه كان إنجازا ثوريا في تكنولوجيا الصواريخ ذات الوقود السائل التي سرعت ظهور الصاروخ الباليستي العابر للقارات وصاروخ الفضاء (المصدر: إدارة الأرشيف والوثائق الوطنية).
استعين بفون براون وجماعته، الذين شكلوا حوالي خمس الألمان المسئولين عن مشروع «مشبك الورق»، والذين جلبوا في بداية البرنامج، في تطوير قذيفة موجهة للجيش. وكانت النسخة التجريبية من القذيفة ستطلق على صاروخ «في-2». ولكن عمليات التخفيض الدفاعية التي تمت في 1946-1947 تركت فون براون محبطا من التقدم المتجمد نحو صاروخ ضخم يمكن أن يحقق حلم رحلات الفضاء الذي كان يراوده. كتب فون براون رواية خيال علمي حول رحلة استكشافية إلى كوكب المريخ وأضاف لها ملحقا رياضيا تفصيليا يثبت إمكانية القيام بها، أملا في إقناع الجماهير. لم يكن الخيال قط من نقاط قوته، فلم ينشر سوى الملحق فيما بعد. لكن مع احتدام الحرب الباردة، زادت الحكومة الفيدرالية تمويل تطوير الصواريخ تدريجيا وجعلت مشروع «مشبك الورق» سبيلا من سبل الحصول على المواطنة، ماحية بذلك الماضي النازي لفون براون وغيره. في 1950، ركز الجيش على تطوير الصواريخ في ريدستون أرسينال بهنتسفيل ألاباما، ناقلا الألمان وعدة آلاف من الأمريكيين هناك. وفي خضم هذه الحركة، غزت كوريا الشمالية الشيوعية الجنوب، فزادت هيستيريا مقاومة الشيوعية وزادت نفقات الدفاع الفيدرالي. وأعيد توجيه فون براون وجماعته لصاروخ «في-2» فائق يحمل سلاحا نوويا يطلق عليه ريدستون. لعب هذا الصاروخ دورا حاسما في بداية سباق الفضاء.
على أية حال، ينبغي ألا نرجع الفضل إلى خط تطوير صواريخ «في-2»/هنتسفيل وحده، كما فعل تابعو فون براون فيما بعد. على الرغم من أن التكنولوجيا الألمانية قد منحت تطوير الصواريخ الأمريكي انطلاقة سريعة، فإن مختبر الدفع النفاث، وشركة «إيروجت»، وشركة «ريأكشن موتورز»، ومشروع صواريخ «جنرال إلكتريك» قد نموا بسبب استثمارات الحرب العالمية الثانية. أنشأ معمل أبحاث البحرية الأمريكية في واشنطون العاصمة معدات علمية لعمليات إطلاق صواريخ «في-2» من وايت ساندس وقرر تطوير صاروخ تجارب ضخم خاص به، وأسماه «فايكينج»، وتعاقد مع شركة «مارتن» للطائرات في ماريلاند لتجميعه ومع شركة «ريأكشن موتورز» لتصنيع محركه. استثمرت القوات الجوية الأمريكية الجديدة في محركات الصواريخ، مما أدى إلى مزيد من التوسع في إيروجت وريأكشن موتورز، وإلى إنشاء روكيتداين التابع لشركة «نورث أمريكان أفييشن»، أول شركة أمريكية لتطوير محركات الصواريخ التي تعمل بالمواد الدافعة السائلة في الستينيات. بعد أن أصبحت القوات الجوية أول قوة نووية طويلة المدى في أمريكا، سرعان ما فاق تمويلها للصواريخ القوات السابقة. وتحالفت مع شركات طائرات الساحل الغربي الكبرى مثل كونفير ودوجلاس وبوينج، التي طالبت كل منها بنصيب في صناعة الصواريخ. وسرعان ما سادت الصواريخ الضخمة ذات المواد الدافعة الصلبة والتركيب الكيميائي الجديد الأكثر فاعلية التي تمخضت عنها تجارب مختبر الدفع النفاث وإيروجت أثناء الحرب، نظرا إلى سهولة تخزينها وإطلاقها. وأدى ذلك إلى بزوغ شركات مثل ثيوكول وهيركوليز باودر، وغيرها من شركات الهندسة الكيميائية في صناعة الصواريخ.
22
حانت لحظة حاسمة في سباق الفضاء وسباق التسلح عندما قررت كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي مواصلة إنتاج الصواريخ الباليستية العابرة للقارات. كان الجيش الأمريكي قد ركز على الصواريخ الموجهة بعد عام 1945؛ لأن توجيه مركبة مجنحة في الغلاف الجوي بدا أسهل من توجيه صاروخ باليستي، مع الوضع في الاعتبار عوز صواريخ «في-2» إلى الدقة. واستغرق الأمر عدة سنوات قبل أن يكتشف الجيش الحقيقة نتيجة للمشاكل التي واجهها الجيش في الصواريخ المتنفسة، سواء في الدفع أو التحكم. عندما تحسنت نظم الملاحة بالقصور الذاتي، وأصبحت القذائف أخف وزنا وأكثر قوة، بات قذف قنبلة على مسار أسهل بكثير من قذفها دون توجيه إلى الجانب الآخر من العالم. بعد أن أجرت الولايات المتحدة أول اختبار على «القنبلة الهيدروجينية» النووية الحرارية في خريف 1952، وعد مصممو الأسلحة بتحقيق إنجاز سريع لتصغير حجم الأجهزة. جعل المردود الهائل لهذه القنابل، والذي يعد أقوى ألف مرة من القنابل التي ألقيت على اليابان، الدقة أمرا غير ذي بال؛ فهذه القنابل تستطيع التدمير حتى وإن ألقيت على بعد أميال من هدفها. وافقت إدارة الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور، التي اعتلت سدة الحكم في يناير 1953، على مشروع الصواريخ الباليستية العابرة للقارات «أطلس» وجعلته في صدارة الأولويات الوطنية في 1954-1955. كما وافق أيزنهاور، في 1955، رغم ما لديه من تحفظات على زيادة الميزانية الفيدرالية ، على صاروخين باليستيين متوسطي المدى (يبلغ مدى كل منهما 1650 ميلا) كسلاح مؤقت ضد السوفييت. أنتجت جماعة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات التابعة للقوات الجوية بقيادة الجنرال برنارد شريفر صواريخ «ثور» من نفس العناصر المكونة لصواريخ «أطلس»، في حين طولبت جماعة فون براون بتطوير صاروخ «جوبيتر» لصالح الجيش والبحرية الأمريكية. وأصبحت كل تلك الصواريخ التي تعمل بالأكسجين السائل والكيروسين، منصات إطلاق أقمار صناعية بعد سنوات قليلة.
23
هذه البرامج المتضاربة، خاصة «ثور» و«جوبيتر»، كانت ردود أفعال للتهديد المتزايد الذي يمثله تطوير السوفييت للصواريخ الباليستية. وعلى غرار فون براون، نبغ كوروليف في التنسيق بين الجيش ومكاتب التصميمات وشركات الإنتاج للتركيز على هدف واضح: الصواريخ الباليستية البعيدة المدى. وبتمويل رئيسي من مدفعية الجيش السوفييتي، قلد صاروخ «في-2» وصنع «آر-1»، ثم ضاعف مداه بصاروخ «آر-2». طور مكتب تصميمات ميخائيل يانجل صاروخ «آر-5» متوسط المدى، الذي اختبر للمرة الأولى في 1953، وحوله إلى صاروخ «آر-5إم» المسلح نوويا، وهو ما مثل تهديدا للأمريكان حول قواعدهم وحلفائهم في أوروبا الغربية وآسيا. في 1955، بالتوازي مع «أطلس»، وافقت قيادة سوفييتية تالية لستالين، وهي قيادة نيكيتا خوروشوف، على أول صاروخ يستطيع إصابة أمريكا مباشرة، وهو صاروخ «آر-7» الباليستي العابر للقارات. ونظرا إلى أنه كان يحمل قذيفة نووية أثقل وزنا، كان «آر-7» أكبر حجما من «أطلس»، بمرحلة واحدة أساسية بالإضافة إلى أربعة معززات ملحقة. وقد ثبت بعد ذلك أنه سلاح غير عملي ولكنه مع ذلك كان مركبة إطلاق رائعة؛ إذ كان يتمتع بقدرة حمل لا يضاهيها أي صاروخ أمريكي في السنوات الأولى لسباق الفضاء.
أثمر تسارع سباق الصواريخ عن تعزيز رسائل دعاة الفضاء التي تتنبأ بتحليق الأقمار الصناعية وربما أيضا البشر في الفضاء في المستقبل القريب؛ فمنذ 1946، ترسل طرود علمية وأحيانا قرود في رحلات قصيرة (غالبا ما تكون مميتة) إلى الفضاء من وايت ساندس وغيرها من المواقع؛ ففي عام 1949، ارتفع صاروخ التجارب «دابليو إيه سي كوربورال» الذي أنتجه مختبر الدفع النفاث محمولا على صاروخ «في-2» مسافة 250 ميلا عن الأرض. ولحق بهم السوفييت سرا في الخمسينيات؛ بل إنهم أرسلوا كلابا في رحلات دون مدارية. ونشر دعاة الفضاء مثل آرثر سي كلارك من جمعية الكواكب البريطانية وويلي لي، الذي أضحى كاتبا علميا أمريكيا ناجحا أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها، كتبا جديدة مؤثرة. في 1952، حقق فون براون أخيرا إنجازا في سلسلة من مقالات مجلة «كوليير» وضح فيها رؤيته الفخيمة لمحطة فضاء ورحلات استكشافية مأهولة إلى القمر والمريخ. وتلا ذلك ثلاث حلقات قدمها لي عن الفضاء في برنامج والت ديزني على التليفزيون الوطني. وعلى الجانب السوفييتي، في بيئة مختلفة اختلافا جذريا، بذل كوروليف وغيره من المتحمسين للفضاء جهدا مضنيا لإقناع المؤسسة السياسية والعسكرية بإجازة رحلات الفضاء عن طريق ربطها بإحياء شهرة تسيولكوفسكي، الذي مات عام 1935، للمرة الثانية. فألقوا خطبا، وعقدوا اجتماعات، وكتبوا مقالات عامة، غالبا تحت أسماء مستعارة نظرا إلى السرية التامة التي كان يتسم بها عملهم. وعززت روايات وأفلام الخيال العلمي «الستار الحديدي»، في الجانبين، رسالتهم. وبحلول عام 1955، كانت رحلات الفضاء بالنسبة إلى الأشخاص العاديين أمرا وشيك الحدوث.
24
الخلاصة
صفحه نامشخص