رفع الملام عن الأئمة الأعلام

ابن تیمیه d. 728 AH
48

رفع الملام عن الأئمة الأعلام

رفع الملام عن الأئمة الأعلام - ط العصرية

ژانرها

فَعَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ: يُحْتَجُّ بِأَحَادِيثِ الْوَعِيدِ فِي تَحْرِيمِ الْأَفْعَالِ مُطْلَقًا، وَلَا يَثْبُتُ بِهَا الْوَعِيدُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الدَّلَالَةُ قَطْعِيَّةً. وَمِثْلُهُ احْتِجَاجُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ بِالْقِرَاءَاتِ الَّتِي صَحَّتْ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ مَعَ كَوْنِهَا لَيْسَتْ فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ ﵁، فَإِنَّهَا تَضَمَّنَتْ عَمَلًا وَعِلْمًا، وَهِيَ خَبَرُ وَاحِدٍ صَحِيحٌ. فَاحْتَجُّوا بِهَا فِي إثْبَاتِ الْعَمَلِ، وَلَمْ يُثْبِتُوهَا قُرْآنًا لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمُورِ الْعِلْمِيَّةِ الَّتِي لَا تَثْبُتُ إلَّا بِيَقِينِ. وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ الْفُقَهَاءِ -وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ السَّلَفِ- إلَى أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ حُجَّةٌ فِي جَمِيعِ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ الْوَعِيدِ؛ فَإِنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَالتَّابِعِينَ بَعْدَهُمْ مَا زَالُوا يُثْبِتُونَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْوَعِيدَ، كَمَا يُثْبِتُونَ بِهَا الْعَمَلَ، وَيُصَرِّحُونَ بِلُحُوقِ الْوَعِيدِ الَّذِي فِيهَا لِلْفَاعِلِ فِي الْجُمْلَةِ. وَهَذَا مُنْتَشِرٌ عَنْهُمْ فِي أَحَادِيثِهِمْ وَفَتَاوِيهِمْ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْوَعِيدَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي ثَبَتَتْ بِالْأَدِلَّةِ الظَّاهِرَةِ تَارَةً، وَبِالْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ أُخْرَى؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمَطْلُوبُ الْيَقِينَ التَّامَّ بِالْوَعِيدِ، بَلْ الْمَطْلُوبُ الِاعْتِقَادُ الَّذِي يَدْخُلُ فِي الْيَقِينِ أو الظَّنِّ الْغَالِبِ، كَمَا أَنَّ هَذَا هُوَ الْمَطْلُوبُ فِي الْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ.

1 / 50