قال شارح التجريد: وكيف يزعم من له أدنى مسكة أن أصحاب رسول الله ﷺ مع أنهم بذلوا مهجهم وذخائرهم وقتلوا أقاربهم وعشائرهم في نصرة رسول الله ﷺ وإقامة شريعته وانقياد أمره واتباع طريقته أنهم خالفوه قبل أن يدفنوه مع وجود هذه النصوص القطعية الظاهرة الدالة على المراد؟ بل ههنا أمارات وروايات ربما يفيد باجتماعها القطع بعدم أمثال تلك النصوص وهي مما لم يثبت ممن يوثق به من المحدثين مع شدة محبتهم لأمير المؤمنين ونقلهم الأحاديث الكثيرة في مناقبه وكمالاته في أمر الدين والدنيا. ولم ينقل في خطبه ورسائله ومفاخراته ومخاصماته وعند تأخره عن البيعة وجعل عمر الخلافة شورى بين ستة نفر ودخل علي في الشورى وقال عباس لعلي: امدد يدك ابايعك حتى يقول الناس هذا عم رسول الله ﷺ بايع ابن عمه فلا يختلف عليك اثنان، فقال: لا تنازع أبا بكر وددت أني سألت رسول الله ﷺ عن هذا الأمر فيمن هو وكنا لا ننازعه. وحاج معاوية ببيعة الناس له لا بنص من النبي ﷺ. والظاهر أن النهي عن إيذاء فاطمة ﵂ ليس على عمومه حتى يتناول أي إيذاء بأي وجه كان لأنها قد تأذت عن علي ﵄ في بعض الأوقات كما جاء في الأخبار. وأيضا قال النبي لبعض أزواجه: «لا تؤذيني في عائشة فإن الوحي لا يأتيني وأنا في ثوب أمرأة إلا عائشة» فجعل النبي ﷺ إيذاء عائشة إيذاء نفسه. ولا شك أنها تأذت من علي ﵁. وحينئذ نقول: الإيذاء المنهي عنه إنما هو الناشئ عن هوى النفس ووسوسة الشيطان، وأما الذي يحصل عن إظهار امر الحق على وفق القرآن والسنة فليس بممنوع ولا منهي عنه. ومعلوم أن سبب تأذي فاطمة من الصديق ﵄ منعه فدك عنها، وكان متمسكا في ذلك بحديث النبي ﷺ: «نحن معاشر الأنبياء لا نرث ولا نورث ما تركناه صدقة» ولم يكن لهواه، فلا يكون داخلا في الوعيد. فإن قال قائل: لما كان الصديق ﵁ متمسكا بحديث النبي ﷺ فما وجه غضب فاطمة ﵂ وتأذيها إذ يرجع حينئذ الأمر إلى النبي ﷺ والعياذ بالله؟ قلنا: هذا الغضب والتأذي لم يكن بالاختيار ولا داخلا تحت القدرة ولا يتعلق النهي بأمثال ذلك ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
قال علماء ما وراء النهر: قد سمى الله تعالى الصديق صاحبا للنبي ﷺ وصاحبه لا يكون قابلا للعن
وأجابت الشيعة بأن المصاحبة قد تقع بين المسلم والكافر ويكون أحدهما صاحبا للآخر. قال الله تعالى: ﴿قال له صاحبه وهو يحاوره﴾ (١) وقال يوسف: ﴿يا صاحبي السجن﴾ فسماهما صاحبيه وهما كافران، فمجرد الصحبة لا يكون دليلا على حسن العاقبة.
_________
(١) الكهف: ٣٤
1 / 11