وكفى بهذا من القول محالا، ومن وصف محالات القول مقالا، أن البهائم جميعا في اختلافها، لتنظر ما لم يأتها بعد من أعلافها، فإذا وصل إليها، افترقت مواقعه لديها، فما تنتظره بعد إتيان، ولا تضطرب إليه بجولان، ومن قبل ذلك ما كانت تصهل إليه وتنهق، وتضطرب إليه دآئبة وتقلق، ولكن لم يعد القوم في جهلهم من ذلك لما جهلوا، وضلالتهم عن حقائق الأمور عما ضلوا، ما وصفهم الله به، وذكر من ضلالتهم في محكم كتابه، إذ يقول تعالى: { أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا } [الفرقان:44]. فلم يقفهم على مواقف البهائم في الجهل ومناهيها، بل زادهم في حكم الجهل عليها، فافهموا أدلة هذه الآية المعجبة المتحققة، وما أوجد الله سبحانه منها عيانا في هذه الفرقة، وأن وجودها فيهم، ودلالة الله بها عليهم، آية عظيمة عند من يعقلها في البيان، لا توجد إلا فيما ذكر سبحانه من الضلان، والحمد لله رب العالمين حمدا موفورا، وعلى سيدنا محمد النبي وآله السلام كثيرا.
ثم جعل ابن المقفع النور الذي زعم أنه خير واحد أفانين، ولونه في معناه ألاوين، وجعله بعد توحيده له كثيرا لا يحصى، وعددا جما لا يتناهى، فقال: إنه نور وحكمة، وطيب وبهجة، وخير وبركة، وإحسان وراحة.
وكذا وكذا مما لا يتناهى. وقد تعلمون أن البركة والبهجة، والطيب والحسن والحكمة، أشياء في العدد كثيرة، ومعان لا يشك فيها متغايرة، كل واحد منها غير صاحبه، والسبب منها غير سببه، لا يشك في ذلك ولا يمتريه، إلا من لا يعقل شيئا ولا يدريه.
وكذلك قال في تكثير الظلمة، وما نسب إليها من الشر وخلاف الحكمة، ثم جعل كثيرها واحدا، وزعم أنه لا يكون منها خير أبدا.
صفحه ۱۸۳