فإذا صح ذلك عند من يعقل بإشهاده، علم أن النجاة من الله لا تكون إلا بإرشاده، الذي نزل فيما أوحى من كتبه، ودل على النجاة فيه بسببه، فالحمد لله ولي النعمة في الأشياء، والمتولي لنجاة من نجا بهداه من الأولياء، الذي ليس له أكفاء فتساويه، ولا شركاء في الملك فتكافيه، المتبري من كل دنآة، المتعالي عن كل إسآة، رب الأنوار المتشابهة في أجزائها، وولي تدبير الظلم وإنشائها، العلي الأعلى، ذي الأمثال العلى، والأسماء الحسنى، شاهد كل نجوى، ومنتهى كل شكوى، والممهل المطيل ، ومن لا يعدل من الأشياء كلها بعديل، فكل ذي خير محمود، أومنسوب إلى كرم أو وجود، فالله مبتدئ فطره محموده، والسابق الأول بما حمد من وجوده.
فأين قولنا ويله، مما ادعاه وتقوله ؟ سبحان الله ما أشد سفهه وجهله! لعنه الله وأضل عقله. ولو لا - أني سمعت الله لا شريك له يقول: { أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين } [الزخرف: 5]، ويقول سبحانه: { أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون } [الأعراف: 179]. ثم لم يترك مع ذلك تذكيرهم، وبعث مع ذلك فيهم نذيرهم، - لما رأيت لمن ذهب مذهبه، وتلعب في القول متلعبه، منازعة ولا إجابة ولا تذكيرا، ولظننتهم إلا ما شاء الله له في العقول بقرا أو حميرا!!
أرأيتم حين يقول: ولا يغلب أحدا إلا بالخيل السلاح. إنه ليطمح في الخطأ -ويله- أي طماح ! أترونه إنما يظن تغالب البهائم، أو غلبة الناس للإبل الجلة الصلادم، وارتباطهم للفيلة بالأمراس، وقرع سواسها لرؤوسها بالأجراس، إنما كان منهم بخيل أو سلاح، ويله إنه ليجمح عن الحق أي جماح ! ولئن كان يظن أن الناس أقوى من الملائكة، إن هذا في الظن لأهلك الهلكة، وقد بينا في جواب ذلك لهم فيهم، ومن غلبة الأولياء لله لعدوهم وظهورهم عليهم، بما فيه بيان كاف، وعبرة واضحة لذي إنصاف .
صفحه ۱۵۸