أبو عبد الله: مكثت ثلاثة أيام يناظرونني. قلت: فكان يدخل إليك بالطعام؟ قال: لا. قلت: فكنت تأكل شيئًا؟ قال: مكثت يومين لا أطعم، ومكثت يومين لا أشرب، ومكثت ثلاثة أيام يناظرونني بين يديه -يعني: الرأس أبا إسحاق- وقد جمعوا عليَّ نحو من خمسين بصريًّا وغير ذلك -يعني: من المناظرين- وفيهم الشافعي الأعمى١، فقلت له: كلهم يناظرونك بالليل؟ قال: نعم كل ليلة، وكان فيهم الغلام غسان -يعني: قاضي الكوفة- وقال: إنما كان الأمر أمر ابن أبي دؤاد، قلت له: كانوا كلهم يكلمونك؟ قال: نعم، هذا يتكلم من ههنا، وهذا يحتج من ههنا، وهذا يتأول على آية، وعجيف عن يمينه، وإسحاق عن يساره قائم، ونحن بين يديه -يعني: أبا إسحاق- فسألني غير مرة فقلت: أوجدني في كتاب أو سنة؛ فقال لي إسحاق وعجيف: وأنت لا تقول إلا ما كان في كتاب أو سنة؟
قلت لهم: ناظروني في الفقه أو في العلم.
فقال عجيف: أنت وحدك تريد أن تغلب هؤلاء الخلق كلهم وَلَزَّني بقائمة سيفه، وأشار أبو عبد الله إلى عنقه يريني بيده هكذا، ثم قال إسحاق بن إبراهيم: وأنت لا تقول إلا ما كان في كتاب أو سنة، ولكزني بقائمة سيفه -وأومأ أبو عبد الله إلى حلقه- قلت: فكان
_________
١ قال محقق الإبانة في حاشيته "٢٥٩/٢": الشافعي الأعمى من أصحاب ابن أبي دؤاد وهو أحد الرجلين اللذين كانا يناظران الإمام أحمد في دار إسحاق بن إبراهيم، وهما: أحمد بن رباح وأبو شعيب الحجام.
1 / 44