واعلم أن هذه الصفات إرادة من حيث كان عدوا لأوليائه(1)، والمحبة من الله للمؤمنين، فإنما يجوز أن يريد الأفعال ويكرهها. والإرادة فقد صح أنها من صفات الفعل، وإنما يجب أن لا يجيز هذه الأوصاف على الله عز وجل من لا يثبته مريدا على الحقيقة ولا كارها، فإذا صح أنها من صفات الفعل؛ وجب القضاء بأنه إنما سخط ورضي بعد وجوب ما يوجب ذلك، وذلك لا يجوز إلا بعد التكليف، وبعد تصرف المكلفين بالطاعة والمعصية؛ لأن جميع ذلك منه تعالى جزاء على الأفعال، ولا يحسن مجازاة الفاعل قبل إقدامه على الفعل، وذلك بين لا يحتاج(2) فيه إلى إطناب.
فأما ما ذكر عن سليمان بن جرير فإنما أتي فيه من قبل قوله بأنه يقول: إن الله تعالى لم يزل مريدا، ويثبت ذلك من صفات الذات؛ فقال ما قاله، وقد دللنا على بطلان(3) ذلك؛ ببطلان أصله الذي يتعلق به في أن الإرادة من صفات الذات.
ومما يبين فساد ذلك أن الساخط إنما يحسن منه أن يسخط على من فعل قبيحا من [حيث] علمه فاعلا لذلك القبيح، لا لعلمه بأن الفعل المسخط له سيقع. ألا ترى أن ذلك يقبح قبل وقوع القبيح، كما يقبح منا أن نعاقب بالضرب والإيلام من لم يأت ما يستحق ذلك منه. فإذا ثبت ذلك؛ لم يجز منه تعالى أن يسخط على المؤمن من حيث علم أنه سيكفر في آخر أمره، ولو حسن ذلك منه؛ لحسن أن يسخط عليه ويعاقبه، ويحرمه(4) في حال إيمانه؛ لعلمه بما سيقع منه، لأنه بعلمه عاقبه لا بفعله، لأنه لم يقع منه فعل يوجب عقابه، لكن بعلمه عاقبه ولو حسن ذلك منه لحسن أن يعاقبه، وأن يقدره على الطاعة، ويحسن(5) أيضا أن يعاقبه مع أنه المانع له من الطاعة، وفساد ذلك ظاهر، وهذه طريقة ما سلكها أحد من الأئمة،ولا من العلماء من غيرهم، سوى هذه المجبرة فاعلم ذلك.
تم والحمدلله وصلى الله على سيدنا محمد وآله.
****
صفحه ۵۶۹