کتاب الرد والاحتجاج على الحسن بن محمد بن الحنفیه
كتاب الرد والاحتجاج على الحسن بن محمد بن الحنفية
ژانرها
وأما ما عنه سأل وقال، مما ألحد فيه من المقال، فقال: أخبرونا عن العقول أمخلوقة هي مقسومة؟ أم غير مخلوقة ولا مقسومة؟ فنحن، والحمدلله، نقول: إن الله خلق العقول وأوجدها فيهم، وجعلها حجة له عليهم، وسببها لهم سبحانه وتعالى تسبيبا، وركبها فيهم احتجاجا عليهم تركيبا، فهي حجة الله العظيمة، ونعمته على خلقه الكريمة، تدعو أبدا إلى الخير والهدى، وتنفي عن الخلق الضلالة والردى، تدل على الخالق ذي الجلال، وتنفي عمن أراد الحق التكمه والضلال، فهي أبدا لمن استعملها داعية إلى الإسلام، مخرجة له من حنادس(1) دياجير الظلام، ثم قسمها سبحانه بين خلقه، ليدلهم على ما أوجب عليهم من حقه، فأعطى كل من أوجب عليه أداء فريضة منها أكثر مما يحتاج إليه في أداء ما افترض عليه، فليس منهي يجب عليه عقاب، ولا مأمور يجب له ثواب؛ إلا وقد ركب الله فيه من العقل وقسم له وعليه أكثر من الحاجة في أداء مفترضه، وما يخرجه بحمد الله إن استعمله من جهالته. ثم أمرهم باستعمال ما أعطاهم؛ من الحجة المركبة فيهم، واخبرهم أنهم إن لم يستعملوها؛ لم يصلوا إلى علم ما لعلمه أعطوها، فأمرهم أن يستعملوها فيفكروا، وينظروا ويميزوا ويتدبروا، فإذا فكروا وميزوا بتلك الحجة التي لن يضل معها طول الأبد، إن أنصفها بحمدالله من أحد، ولذلك ما قاله، جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} [الحشر: 9]، يقول: انظروا بأبصاركم، ثم دبروا فاعتبروا بعقولكم، فيما ترون وتبصرون، هل له من خالق غير الله فيما تعلمون؟! كما قال سبحانه: {أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون} [الطور: 43]، وقال: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم} [الزخرف: 29]، وقال: {قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون* قل أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون* ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون} [القصص: 71 73]، ثم قال تنبيها لهم وحثا على استعمال العقول، ليصح لهم الحق من القول إذا نظروا؛ وفيما ذكر الله مما أراهم وفطر لهم تفكروا، فقال الله سبحانه: {حم* تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون} [الجاثية: 15]، فقال في أول السورة: لآيات لقوم يؤمنون(1) يقول: يصدقون بما يرون، وينصفون العقل فيقبلون منه ما عليه يدلهم حين يبصرون ويستبصرون، في الحق، ويستدلون على الله بما ذرأ من الخلق، فيكونون بذلك مؤمنين، ولله بالخلق(2) والقدرة مقرين. ثم قال: {لقوم يوقنون}، فأخبر أنه قد ذرأ وجعل لهم؛ من الدلالة عليه في خلق أنفسهم؛ ما بأقل قليله على خالقهم يستدلون، وبأنه الله الذي لا إله إلا هو يوقنون. ثم كرر الدلالة لهم والاحتجاج عليهم بذكر ما أنزل من السماء من رزق، فأحيا لهم به الزروع، وفرع به في الأصول الفروع، ثم كرر الاحتجاج والتوقيف لهم والتعريف؛ فذكر تصريف الرياح، وما يكون فيها وبها من الألقاح، فقال: {وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون}، فتتابعت الآيات متناسقات، بما فيهن من العبر والدلالات، حتى وصل(1) إلى قوم يعقلون، فأخبر بذلك أن كل ما ذكر لا يعلم، ولا يخبر ولا يفهم؛ إلا بما ركب وجعل لهم فيه من حجة العقل، فقال سبحانه احتجاجا عليهم، وتنبيها في ذلك كله لهم؛ بما خلق، من الأبصار التي لا ينتفع بها في التذكرة إلا بالألباب، وحثا على استعمال الألباب في كل الأسباب: {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب} [ق: 68]. يقول: توفيقا لهم وتعريفا واحتجاجا على ذوي العقول.
وقال: {فاعتبروا يا أولي الأبصار} [الحشر: 2]، فخص بالأمر بالاعتبار ذوي الأبصار.
صفحه ۳۴۵